خمس سنوات مرت على الثورة في تونس ولكن البلاد وبدلا من أحلام التحرر والعيش الكريم التي حركت عشرات آلاف التونسيين تسقط الآن تحت وطأة بطالة عصفت بالمجتمع وجعلت تونس تعيش هذه الايام اوقاتا صعبة ومستقبلا مجهولا، فنار الاحتجاجات الاجتماعية لا تهدأ، وشرارة انتفاضة اخرى تلوح من بعيد. ورغم أن وزارة الداخلية التونسية أعلنت أنها خفضت مجدداً ساعتين من مدة حظر التجوّل الليلي الذي فرضته قبل مدة اسبوع في كامل البلاد لمواجهة احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة بحجمها منذ ثورة 2011 التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي، لا يبدو أن الأمور تسير نحو الهدوء. حيث طالب مسلم فرجاني عضو الهيئة التأسيسية للمعطلين عن العمل في تونس في تصريح خاص بصحيفة اليوم "جميع القوى التونسية بتوحيد المطالب وتنسيق التحركات كي يصبح النظام كله في خطر" على حد تعبيره. ولم تستمع الحكومة التونسية للتحذيرات التي اطلقها جملة من نشطاء المجتمع المدني والاحزاب السياسية وخبراء علم الاجتماع بأن البلاد تمر الى السرعة القصوى نحو سحق الطبقة المتوسطة، وهو ما سيفجر الوضع الاجتماعي، كما انها اغلقت اذنها في وجه مقترحات احزاب المعارضة الممثلة تحت قبة البرلمان بإيجاد حلول جذرية لمشكلة البطالة في تونس معتبرة اياها محاولة لكسر ذراع الأحزاب الحاكمة. غير ان انفجار الوضع منذ حوالي اسبوعين -إثر انتحار شاب عاطل عن العمل بصعقة كهربائية في مدينة القصرين بوسط البلاد؛ وذلك احتجاجا على سحب مسؤولين اسمه من قائمة توظيف في القطاع العام- كان كفيلا بدق ناقوس الخطر لدى الحكومة التونسية. ودفعت الاحتجاجات المطالبة والمتستمرة في اكثر من 14 محافظة من حكومة تونس إلى المسارعة بالاعتراف بصعوبة الوضع وأحقية مطالب المحتجين في العمل، كما وعدت الحكومة بإيجاد حلول مؤقتة وأخرى على المدى البعيد لأكثر من مليون عاطل عن العمل معظمهم حاصل على شهادات عليا. وأعلن الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية عن مجموعة من القرارات العاجلة والهادفة للحد من نسبة البطالة في بلاده التي تصل إلى 15،3 بالمائة، وقال الصيد في مداخلة له أمام البرلمان يوم الجمعة: "سيتم الانطلاق فورا في تنفيذ برنامج التوظيف لعام 2016 والذي سيوفر 23 ألف فرصة عمل منها 16 ألفا في الوظيفة العمومية بمجالات الأمن والجيش والصحة". من جهة أخرى، أكد أن حكومة بلاده ستفعل بجدية قرار توظيف عاطل عن العمل من كل أسرة معوزة، لافتا إلى أن هذه الآلية ستمتص العديد من العاطلين عن العمل. وفيما يتعلق بأصحاب الشهادات العليا، أفاد بأن الحكومة التونسية ستمكن من يريد منهم أن ينشئ مشروعا خاصا من التمويل دون ضمان مسبق.. مضيفا إن الضمانة الوحيدة لهؤلاء هي شهاداتهم. غير أن هذه القرارات لم تعجب العاطلين عن العمل، إذ اعتبرها مسلم فرجاني عضو الهيئة التأسيسية للمعطلين عن العمل في تونس في تصريح خاص بصحيفة اليوم "مقترحات قديمة منذ عهد الرئيس التونسي الأسبق ابن علي". وفي رده على سؤالنا عن مشروعية الاحتجاجات أجاب: "الاحتجاجات طبيعية ما دامت البرامج التي كان ابن علي يعدّها لاحتواء أي غضب شعبي قد تم تعطيلها منذ 2011، وتم تعويضها بمحاور جديدة لا علاقة لها بالتنمية ولا بالقضاء على الفساد". وأضاف: "حكومات بعد الثورة لم تحافظ حتى على الحد الأدنى الاجتماعي الذي كان يفرضه ابن علي وكان بممارسته سلطة مركزية على اتحاد رؤوس الأموال يشكل حاجزا أخيرا أمام الانفجار الشعبي، ولكن اليوم فإن اتحاد رؤوس الأموال هو الذي يمارس سلطته على الدولة ويوظفها في خدمته". ورأى فرجاني أن الاحتجاجات هي رد الفعل الطبيعي لا الاستثنائي، وتابع: "الدولة الآن عاجزة فعلا عن إيجاد الحلول حتى الترقيعية منها، ولكنها انهمكت مع الإعلام الرسمي والخاص التابع لرؤوس الأموال في شيطنة الاحتجاجات وتقزيمها". من جهته، قال البرلماني والقيادي في حركة الشعب السيد سالم لبيض في تصريح لصحيفة «اليوم»: إن المحافظات المنتفضة على الفقر والتهميش والبطالة مسؤولية الحكومة، معتبرا أن لا خروج من الازمة إلا بقرارات حاسمة وشفافة، مشيرا إلى أن صورة الحكومة ومجلس النواب مهتزة في نظر الشعب. محتجون يشعلون النار خلال الاحتجاجات في تونس أم لعاطلين تصرخ مطالبة بتوظيفهم