هل تتخيل أنك عندما تطيل النظر في أحد الأشخاص من الجنس الآخر في أي مكان عام أنك ستواجه عقوبة قانونية بتهمة التحرش.. وهذا لا ينطبق على الرجل فقط إنما المرأة أيضا، فهي عندما تطيل التحديق في أي رجل مسببة له نوعا من الانزعاج أو المضايقة ستواجه نفس المصير. هل تتخيل هذا المصير؟. العمل بهذا النظام بشكل دقيق وفاعل يحدث في بعض الدول كأستراليا على سبيل المثال، ولذلك أوضحت الملحقية الثقافية السعودية هناك للطلبة المبتعثين أن التحديق المطول بالنظر للجنس الآخر يندرج تحت التحرش الجنسي الذي يعاقب عليه القانون الأسترالي. وتأتي أهمية هذا التوضيح من أنه قد يكون هذا الأمر غير معلوم عند كثير من المبتعثين بل وغير المبتعثين.. فالثقافة السعودية بل والعربية بشكل عام لا ترى أن التحديق المستمر في الشخص المقابل يعتبر جريمة وأنه في أسوأ أحواله يعتبر مصدر إزعاج أو مضايقة ليس إلا، بل ان العرف السلوكي في المكان العام في أفضل أحواله يعيب إطالة نظر الرجل في المرأة لكن لا يحدث العكس، فإطالة نظر المرأة في الرجل لا يعتبر عيبا كبيرا. وعموما يمثل التحديق المستمر في الأماكن العامة أحد السلوكيات المزعجة جدا سواء حدثت تجاه الجنس الآخر أو من نفس الجنس، فليس مقبولا أيضا أن تحدق المرأة في امرأة أخرى «وهو أحد السلوكيات الشائعة» سواء كان في الأماكن العامة أم حتى في المناسبات الخاصة كالحفلات.. باختصار هو سلوك مشين في كل الثقافات وتجاه كل الأجناس غير أن المختلف فيه هو درجة إدانته الاجتماعية وتعييبه في العرف العام وطريقة معالجته سواء عبر القانون أو الثقافة العامة، فعلى سبيل المثال نجد ملصقا في مترو «لندن» كتب عليه (لا تحدق فيمن يجاورك لأكثر من ثانيتين، نرجو منك احترام عزلتهم) ولا أعلم لماذا ينتابني شعور أن هذا الملصق وضع لتنبيه أفراد معينين جاؤوا من ثقافة معينة؛ ربما عربية تحديدا، وأزعجوا الإنجليز بنظراتهم المستمرة.. يجب أن لا تصيبك العدوى من الآخرين وتعتقد أن سلوك التحديق مباح مهما كان شائعا في ثقافتك المحلية، إنه سلوك مزعج ومسيء لك قبل أن يكون مزعجا للطرف الآخر، فهو ينم عن شخصية فضولية ومتطفلة لم تهذبها قواعد الذوق. المشكلة أن الحديث عن قواعد الذوق العام في الأماكن العامة وأبرز السلوكيات المزعجة فيه كان محل معالجة في عدد من المقالات الصحفية وكان محل تهكم في بعض (النكات الشعبية).. إلا أن التحسن فيه يسير ببطء.. يجب علينا الخروج بحل لأزمة اختراق حدود الذوق العام في الأماكن العامة وإشاعة المعرفة بقواعد الإتكيت في التعامل وطريقة إلقاء التحية والسلام مع الغرباء واحترام الطابور وطريقة الطلب عند الشراء والأكل.. أمور عدة يجب أن يكون فيها سلوك عام متفق عليه بين الأفراد على الأقل بدرجة متقاربة تكون سمتها التهذيب والاحترام والتنظيم غير المتكلف.. أعتقد أننا بحاجة إلى انتباه جاد لظواهر سلوك الأفراد في الأماكن العامة وعدم تركها بدون تنظيم قانوني وتوعوي يهذبها. يجب علينا أن نغلظ العيب في كل ما يخدش حرية الطرف الآخر أو خصوصيته، وكل ما يمس أي جانب من حقوقه في الأماكن العامة.