كثيرون يرون أن كرة القدم السعودية لم تعد كما كانت ولادة لنجوم اللعبة، ولم نعُد نسمع بمقولة كشافة كرة القدم والتي كانت تجوب الدورات الرمضانية ودورات الحواري؛ للبحث عن مواهب كروية شابة ونقلها لمسطحات كرة القدم من خلال بوابة الأندية، حتى باتت الموهبة التي تظهر سرعان ما تذبُل وتختفي.. ليبقى السؤال من غيب تلك المواهب؟.. وما هي طرق العلاج لإعادة الموهبة السعودية كما كانت في السابق؟.. (الميدان) زار نادي القادسية والتقى المدرب الوطني حمد الدوسري «مُكتشف اللاعب ياسر القحطاني»، والذي تحدث بصراحته المعهودة حول الأسباب التي غيبت الموهبة السعودية وكيفية علاجها، وعن حقيقة النجوم الذين قدمهم في سماء الكرة السعودية، ورأيه في وضع المدرب الوطني، بالإضافة لعدد من الأمور المهمة في هذا اللقاء.. سنوات طويلة وأنت تعمل في حقل اكتشاف المواهب وتغذية أندية المنطقة.. هل من الممكن أن نعرف ما الذي استخلصته من هذه التجربة الطويلة؟ لا أخفيك سرا، إنها تجربة ممتعة وثرية وناجحة جدا، خصوصا عندما تتوج مسيرتك الطويلة في هذا المجال بتقديم مواهب كبيرة أصبحت في وقت لاحق نجوما في سماء الكرة السعودية والعربية والآسيوية، وبلا أدنى شك ينتابني شعور بالفخر عندما يرتبط أسماء أولئك النجوم باسمي فهذا بحد ذاته إضافة ونجاح لمسيرتي الرياضية.. هل تتفق مع مقولة أن كشافة المواهب بدأت في الاندثار، خصوصا أننا لم نعُد نسمع أن هناك أسماء مميزة وكبيرة بدأت عن طريق الكشافة كما كان في السابق أم أن لك رأيا آخر؟ أتفق تماما مع تلك المقولة، والسبب أن غالبية المدربين يرون أن الأمر بات مُتعبا للذهاب لدورات الحواري ومتابعة المواهب التي من الممكن أن تُقدمها تلك الدورات، حيث يستغنون عن ذلك بعمل دوري المدارس ويتم الاختيار والمتابعة بهذا الأسلوب؛ كون هناك عملية إرهاق ما بين العمل في المدرسة، ومن ثم حضور التمرين في النادي، وهذا يتسبب في عدم القدرة على التواجد بالدورات الكروية التي تُنظمها الحواري.. كما تعرف أن كرتنا السعودية في السنوات الأخيرة ليست على ما يرام من خلال النتائج والأرقام، والبعض يعزو ذلك لغياب الموهبة السعودية واندثارها.. أنت كمدرب وطني ما هي الأسباب -برأيك- التي غيبت هذه المواهب؟ صدقني دائما أعتب على إدارات الأندية وتحديدا في هذا الجانب؛ كون الموهبة دائما تبدأ من الصغر، ولذلك يجب الاهتمام بها من الصغر لكن للأسف إدارات الأندية (معظمها) تقوم بجلب كادر فني متواضع بمبلغ مادي زهيد وبالتأكيد يكون العائد سلبيا، فالمدرب الأجنبي المتواضع يأتي دون النظر لسيرته الذاتية مما يتسبب في عدم خروج مواهب سعودية مميزة؛ كون معظم هؤلاء المدربين الأجانب لا يملكون القدرة على اكتشاف الموهبة وبعضهم يقتل الموهبة قبل أن يمنحها الفرصة، والأمثلة على ذلك كثيرة للأسف. لماذا عندما تظهر لنا موهبة سعودية ونستبشر بها خيرا سرعان ما تندثر.. هل هناك أسباب واقعية ممكن أن تُقنع بها المتابع الرياضي؟ السبب الأول والأخير هو التأسيس، فاللاعب إذا لم يؤسس بشكل جيد في الفئات السنية من الصعب أن يحافظ على خانته أو مركزه عندما يصل للفريق الأول، فعلى سبيل المثال اللاعب خالد الغامدي عندما شاهدته في النصر لأول مرة ذكرت أن هذا اللاعب لم يتم تأسيسه بصورة جيدة على عكس اللاعب ياسر الشهراني لاعب الهلال الذي بات مستواه يتطور من فترة إلى أخرى، فالتأسيس الصحيح هو ما يضمن لك بقاء الموهبة لسنوات طويلة مع الفريق الأول وعكس ذلك سيكون للأسف فترة قصيرة تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات ثم تختفي.. ما هو أكثر ما تعانونه كمدربين قائمين على العمل في المدارس السنية؟ أنت تعلم أننا في مدرسة للبراعم وجميع هؤلاء اللاعبين طلبة في المدرسة خلال الفترة الصباحية وهو أمر يُزعجنا كثيرا خصوصا في فترة أيام الدراسة، حيث نجد معاناة من بعض أولياء أمور الطلاب لعدم تقبلهم فكرة لعب كرة القدم، وآخرون يمنعون أبناءهم من الحضور للنادي؛ بسبب ضعف الثقافة للأسف لدى البعض، أضف إلى ذلك فترات الانقطاع لبعض الطلاب قبل الاختبارات بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وأيضا أحيانا عدم وجود ملاعب رسمية لفريق البراعم.. كيف ترى تعامل إدارة النادي مع فئة البراعم، وهل تحظى بدعم كاف يشجع استمرارها؟ في نادي القادسية وبدون مجاملة تجد إدارة على درجة عالية من الاحترافية ممثلة في الرئيس معدي الهاجري ونائبه عبدالله بادغيش، حيث نجد اهتماما إداريا عاليا بهذه الفئة، لدرجة أنني لأول مرة أرى أعضاء فريق البراعم في النادي يملكون طقمين من الملابس الرياضية الخاصة بالفريق وهذا يؤكد الاهتمام الكبير الذي توليه الإدارة. كيف ترى أكاديميات كرة القدم بالمنطقة الشرقية ودعمها لأندية المنطقة تحديدا؟ لا أرى أن أكاديميات كرة القدم قدمت أو أضافت شيئا لأندية المنطقة الشرقية، وهي بكل تأكيد تبحث عن المادة بغض النظر عن اكتشاف المواهب من عدمه، ونحن أساسا في الأندية لم نستفد من هذه الأكاديميات؛ كون غالبيتها تجلب مدربين لا علاقة لهم بعالم كرة القدم ولم يقدموا الإضافة، ولم أسمع أن إحدى هذه الاكاديميات قد قدمت لاعبا واحدا لأحد الأندية بالمنطقة؛ كون الهدف الأول هو الاستثمار أو الربح المادي. دائما يتردد بأنك مكتشف النجم الكبير ياسر القحطاني.. وهذا بالتأكيد أمر جميل.. لكن هل من الممكن أن تقدم لنا نجما بحجم القحطاني؟ كنت أتمنى أن يكون ذلك مفاجأة، وكنت أريد أن أتحفظ على ذلك الأمر كثيرا، لكن ما أؤكده لك هو أنني أملك لاعبا سيكون بإذن الله بنفس القيمة الكروية الكبيرة التي يمتلكها النجم الكبير ياسر القحطاني، وهو فقط يحتاج كما يقولون لبعض الرتوش من أجل تقديمه رسميا لرياضة كرة القدم السعودية وهو لاعب أراهن عليه كثيرا كما راهنت على ياسر ورفاقه من النجوم الذين ظهروا من بوابة القادسية.. هل من الممكن أن نعرف أبرز النجوم الذين قدمتهم في سماء كرة القدم السعودية؟ لا أخفيك أن هناك أسماء كثيرة أمثال ياسر القحطاني، سعود كريري، سعيد الودعاني، عبدالملك الخيبري، محمد السهلاوي، سوف السالم، صالح الغوينم، فوزي الشهري لاعب الأهلي السابق والذي شارك في مونديال 2002م بكوريا واليابان وغيرهم من الأسماء التي لا يمكنني استحضارها الآن.. كنا في زمن مضى نتغنى بمنتخباتنا السنية وإنجازاتها والآن أصبحنا ضيوف شرف للأسف.. برأيك ما هي الأسباب؟ للأسف هذه حقيقة لكن السبب الأول والأخير هو في خيارات الاتحاد السعودي لكرة القدم للكوادر الفنية المتواضعة وعدم جلب كوادر فنية أجنبية على مستوى عال، على سبيل المثال أتذكر عندما كنا في فئة الشباب تم جلب مدرب عالمي يدعى كارلوس بيتشامي وهو المدرب الذي درب أسطورة الكرة العالمية ماردونا وحقق مع الأرجنتين كأس العالم 78م، حيث سبق لهذا المدرب العمل في اليابان لمدة خمسة أعوام أثرى معها كرة القدم اليابانية والتي استفادت من تجربته لاحقا في تحقيق نتائج كبيرة ومميزة، وهذا ما سبب التأخر في تطور فئاتنا السنية للأسف في السنوات الأخيرة. كيف ترى العمل الذي يقوم به المدرب الوطني سعد الشهري مع منتخب الشباب الحالي وهل تعلق آمالا على هذه المجموعة في البطولة الآسيوية القادمة في البحرين؟ المدرب الوطني سعد الشهري من المدربين الوطنيين الأكفاء والذين أتوقع لهم مستقبلا مشرقا في عالم التدريب بإذن الله، فهو مدرب مميز ويحب العمل والتعلم في مهنة التدريب، ومجموعته الحالية مميزة بدليل النتائج التي ظهرت في التصفيات الآسيوية الأخيرة وما أتمناه هو أن يستمر مع هذه المجموعة لتحقيق اللقب الآسيوي ولا أخفيك بأني متفاءل كثيرا بهذا المنتخب وهذا المدرب الشاب. فيما يخص مشاركات المنتخبات الوطنية.. كيف تُعلق على مشاركة المنتخب الوطني الأولمبي الأخيرة في البطولة الآسيوية التي تقام حاليا قطر؟ يضحك.. ثم يرُد "لا أعرف ماذا أقول"، لكن ما يُثير الدهشة والاستغراب هو لماذا تم استدعاء المدرب الأجنبي الهولندي آدري كوستر قبل البطولة بفترة محدودة بالرغم من أن المجموعة كانت تسير بصورة مميزة وجميلة مع المدرب الوطني بندر الجعيثن.. وهنا للأسف تم قتل طموح المدرب الوطني وكذلك جماهير الكرة السعودية والتي كانت تتأمل الشيء الكثير مع هذا المنتخب لكن للأسف لا أعرف ما الذي حدث قبل البطولة.. الكثير يتساءل لماذا يتم تجاهل نجوم مسابقة كأس الأمير فيصل بن فهد الأولمبية مع المنتخب الأولمبي؟ فعلا أمر غريب بالرغم من أن هناك أسماء مميزة وكبيرة ومن الممكن أن تُقدم الكثير بقميص المنتخب الأولمبي، وإذا كانوا لا يعترفون بهذه البطولة وعدم اختيار نجومها لتمثيل المنتخب من الأفضل إلغاؤها؛ لأن في ذلك عدم إنصاف لمن يعملون ويقدمون في تلك الفئة وفي النهاية لا يتم الالتفات إليهم. لماذا المدرب الوطني برأيك لا يحظى بثقة إدارات الأندية لدينا؟ هذا الأمر للأسف منذ سنوات طويلة، فمعظم إدارات الأندية لا تثق بقدرات المدرب الوطني بالرغم من أن عددا من الانجازات الكبيرة للكرة السعودية تحققت على أيدي مدربين وطنيين، وأكثر ما يؤلم أن بعض إدارات الأندية تستعين بالمدرب الوطني لإبداء رأيه في المدرب الأجنبي قبل التعاقد معه، حتى أصبح المدرب الوطني للأسف فقط للحالات الطارئة من أجل إنقاذ الفريق. كلمة أخيرة.. أنا فخور جدا بوجودي مع «الميدان» في هذا الحوار، والذي أعتبره من القلب إلى القلب، متمنيا أن يتم الاهتمام بالمواهب السعودية، وكذلك بالمدرب الوطني؛ حتى تعود كرتنا للواجهة من جديد. حمد الدوسري