كانت الأندية الأدبية ولا تزال ضلعا أساسيا في الحركة الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية رغم تفاوت عطائها بين فترة وأخرى، فهي بيت الأدباء الذي يستظلون بظلاله الوارفة مستمتعين بالشعر والقصة والثقافة، إلا أنها شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا وارتباكا في مسيرتها نتيجة تجربة الانتخابات التي تعثرت فأخرت الحركة الأدبية رغم الآمال المعقودة عليها، ما اضطر الوزارة مؤخرا إلى التمديد للإدارات الحالية مجددا عوضا عن تعزيز تجربة الانتخاب، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الجدل والتساؤل لدى الأدباء السعوديين حول مستقبل الأندية الأدبية.. شمعة تتضاءل في البدء يؤكد القاص والأديب جمعان الكرت الغامدي: أن الأندية الأدبية حلقة مهمة من حلقات الإثراء الفكري والأدبي والثقافي، ودورها محسوس وملموس سواء عن طريق الأنشطة المنبرية أم الإصدارات المتنوعة أو الملتقيات والمهرجانات التي تنظمها بشكل سنوي، والسؤال المطروح عن مستقبل الأندية الأدبية في خضم الانفتاح المعرفي والتواصل التقني والزخم الإعلامي، هل يمكن أن تقوم بذات الدور الذي كانت تقوم به سيما وأن الأندية تعاني من مشكلة شح الحضور بمعنى أن الدائرة التي تقوم بخدمتها صغيرة مقارنة بالشريحة المفترض أن تصل إليها؟، وهذا الأمر يدعو إلى التفكير في حلول جذرية إذ إن بعض المثقفين قطعوا التواصل معها عمداً، ولربما لم يعد في استطاعتها تقديم ما يحقق الاشباع المعرفي والأدبي، فهناك مصادر سريعة وسهلة وميسورة يمكن للأديب أو المثقف التواصل دون عناء الزمكان، فالأندية مستقبلها من وجهة نظري كالشمعة التي يتضاءل وهجها، ولا يعني تمديد فترة أعضاء مجالس الإدارة أو انتخاب غيرهم سيوجد حلولا، فالمشكلة موجودة مما نحتاج الى حل جذري ولربما فكرة إنشاء المراكز الثقافية واحدة من الحلول الناجعة ليتناغم الأدب مع الفن بأنواعه «مسرح، تشكيل، غناء» في منظومة جميلة. ويضيف: أستطيع القول ان الملل يضرب بأطنابه في مقار الأندية الأدبية، والقائمون عليها يدركون ذلك إلا أنهم لا يرغبون الافصاح عنه، ويمكن الاستدلال بالحضور كمؤشر حقيقي عما يكتنف تلك الأندية، وعدسة الكاميرا هي الشاهد التي لا تبخس أحدا، أتمنى على معالي الوزير دراسة فصل الثقافة عن الإعلام فلكل منهما ثوبه الخاص، الثقافة لها رؤيتها ورسالتها وأهدافها، وكذا وزارة الإعلام لتتولى كل واحدة في شؤونها دون حدوث الازدواجية بينهما، ويا ليت معالي الوزير يتفضل بتشكيل لجنة من نخبة الأدباء والمثقفين لدراسة انشاء مراكز ثقافية مع الاستفادة من الورقة التي سبق وأن طرحها الدكتور عبدالله الوشمي ذات يوم ضمن النشاط الثقافي المصاحب لمعرض الرياض الدولي. داحس والغبراء! الدكتور شاهر النهاري رأى أن الثقافة تعتبر جزءا لا يتجزأ من طبيعة الشعوب والمجتمعات، فيندر وجود ثقافة قافزة على الحدود ومغايرة لما هو سائد على أرض الواقع. والأندية الأدبية السعودية مثال واضح لما هي عليه من سطحية تنافس قد لا يكون شريفا في أكثر حالاته، وبالتالي وجود الشللية التي تكون هي الغالب على معظم إدارات وأنشطة النوادي الأدبية إلا فيما ندر. وقد تبلورت تلك المعاني في إصدارات النوادي ومستوياتها غير المتسقة مع الواقع، وعدم انتقاء الأفضل بقدر ما هو صرف الميزانية المخصصة لذلك سنويا على كتب، لا تحمل من معاني الكتب إلا الشكل الخارجي ودمغة النادي وشعاره. ويضيف: أنا لا أريد أن أتقمص شخصية الرافض وغير المقتنع بأي جهود، لذلك فأنا أقر بصدور بعض الكتب والمطبوعات الممتازة وبحدود ضيقة، كان بالإمكان إصدارها من ناد واحد وترك بقية النوادي مغلقة. وللتدليل على ما أزعمه هنا من بعد عن الهم الثقافي وما يحمله من رسائل عظيمة، فنظرة بسيطة لما حدث بعد ادخال عملية الانتخابات على إدارات النوادي، نجد ما يشبه حروب داحس والغبراء بين فئات أدت إلى قرصنة إدارية على بعض النوادي، وهجمة لا أخلاقية ولا أدبية في تحزبات عجيبة، لتظهر الانتخابات بشكل لا عقل له ولا ميزان، ولا تطلع للأفضل. ويختم النهاري قائلا: أنا غير متفائل بأي تصحيح لا يكون جذريا لتلك الأندية، وبرغبة قوية من وزارة الثقافة للسيطرة على الأمر بنهج مدروس، ومتابعة، ومحاسبة، وعدم السماح للخلل من البقاء يرسم خطواته ويهدم معاني الثقافة ويحيل النادي منها إلى استراحة لشلة، ولا هم لإداراتها إلا تلميع أشخاص بعينهم، وصرف ما في الجيب حتى يأتي ما في الغيب. مراجعة ووضوح الشاعر والقاص عبدالرحمن الجاسر رأى أن الحديث عن الأندية الأدبية هو حديث عن حالة الفعل الثقافي داخل المشهد المحلي بشكل أو بآخر، حيث تحتل الأندية الأدبية توزيعاً متوازياً في خارطة المملكة جغرفياً حيث يمثل الكثير منها جهاز تخطيط النبض عن حالة الحراك الثقافي في المنطقة ما بين الإيقاع السريع المتجدد والخامل المتئد. وأضاف: يظل مستقبل الأندية الأدبية مرهونا بأمرين أولاً بقدرة المسؤول في فهم دور الأندية وأهميتها وتعزيز مكانتها أنها تتماس مع أهم شريحة في المجتمع وهم المبدعون والأدباء لتقديم لوائح وتنظيمات تسهل عمل الأندية وتتيح لكل معني بالثقافة الاستفادة من الأندية. ثانيا: فيما يتعلق بالمبدع والأديب واقترابه من الأندية والاستفادة منها والبعد عن المواقف المسبقة وتعميم المواقف تجاه الأندية وعملها وجدواها، بل أن يكون الأديب جزءًا من هذه المؤسسات الثقافية وحراكها ولعل التمديد للمجالس الحالية خصوصاً التى لا تزال متصلة بجهد ثقافي واضح ومستمر وليست الساكنة بلا حراك يذكر مهم في هذه المرحلة حتى تضع الوزارة رؤية واضحة وأنظمة مرضية ولوائح مدروسة في تكوين المجالس والجمعيات العمومية تراعي كافة الأدباء من الجيلين الرواد والشباب. وكلي أمل بمستقبل أدبي واعد ورائد لوطني الحبيب. إرث ضخم ويرى الأديب يونس البدر المحاضر بجامعة الملك فيصل بالأحساء أن أي تغيير في مجالس الأندية الأدبية يجب أن يكون بمستوى العمل والإنجاز أو لا يستحق أن يكون. سواء كان بتعيين أو بانتخاب، فلا يمكن أن نراهن على نجاح المجلس المعين أو المنتخب لمجرد كونه معيناً أو منتخباً، فالغاية هي القدرة على الإنجاز والتجديد وليس طريقة تشكيل المجلس وتنظيماته الداخلية. فإذا لم يقع الخيار على مجلس جاد في عمله ومستمر في عطائه فلا يمكن أن نثق باستمرارية البناء الثقافي والأدبي لهذه الأندية. فعلى سبيل المثال، إدارة نادي الأحساء الأدبي برئاسة الدكتور ظافر الشهري، أثبتت خلال سنوات من العمل والعطاء أنها إدارة تستحق الشكر والتقدير والامتنان، فلم تتوقف لحظة عن خدمة الثقافة والإبداع في أمسيات وندوات ومهرجانات ومطبوعات بل حتى في متابعة مشروع المبنى، فالتمديد لهذه الإدارة يجب أن يتم ليستمر هذا العطاء والإنجاز، ولا يمكن أن نفرح بعرس انتخابي جديد إلا بمجيء مثل هذا المجلس في جديته ونشاطه وإلا فلا نحتاج لهذا الانتخاب إذا كنا سنتراجع إلى الوراء. إن أملي كبير في استمرار هذه الأندية بكامل كفاءتها، إذ لا يمكن التفريط بإرث ضخم يؤصل لمنجز أدبي سعودي انبثق وما زال ينمو عبر هذه الأندية، بل وأتطلع في الأفق إلى مزيد من ارتفاع مستوى الوعي الإداري في الأندية الأدبية مما سينعكس على النشاط الأدبي في المملكة لينفتح على فضاءات فكرية جديدة وملائمة لروح المعاصرة والحداثة. مؤشر سلبي ويقول الروائي حسين الأمير: للنادي الأدبي أهمية في ابراز مواهب المجتمع على السطح، وترتيب الحياة الثقافية للمجتمع، لذلك دائماً هناك مستقبل للنادي الأدبي يقوى بإدارة جيدة متنوعة لكل فترة من خلالها تتبلور الثقافة وتعكس مدى أهميتها و مدى فائدتها للمجتمع المحلي والانسان بشكل عام، ولتغيير الادارة كل فترة زمنية نوع من اعطاء الفرصة وتنوع في الطريقة وابراز للمهارات. ورغم التمديد للنوادي الأدبية الذي يعتبر مؤشرا سلبيا إلا أننا نتأمل لها النجاح واكمال المسيرة الثقافية. صنع الوعي ويعتقد الشاعر جاسم عساكر أن حجر العثرة الأساس أمام ازدهار الحركة الثقافية والأدبية يكمن في المثقفين أنفسهم لا في المؤسسة الثقافية وهذا حتماً لا يلغي الدور الذي تضطلع به المؤسسة ولا يشطب المهمات المدونة عليها في عقد الشراكة المعنوي بينها وبين المجتمع. وعلينا أن نعي أن المؤسسة ليست صرحاً مبنياً بالطوب والإسمنت والأثاث الفاخر، لأن كل ذلك لا ينتج ثقافة ما لم يكن للمثقفين أنفسهم لمستهم الفنية الساحرة في صنع الوعي وبث روح الأدب واستثمار ذلك الصرح عبر النقد البناء وتقديم الرؤية البصيرة التي تسير على ضوئها تلك المؤسسة. كما أن المؤسسة تتحمل دورها في إشراك المجتمع عبر أي قناة تواصلية مؤمنة بما تقدمه إليها شرائح المجتمع من مقترحات، وأن تفتح أمامها باب الحوار على مصراعيه وأن تتقبل جميع الإشكاليات التي تطرح من هنا وهناك وتستفيد منها في معرفة ما ينقصها ومن ثم العمل على توفيره بشكل سلس وجاد، خاصة مع ما تعيشه من تحديات الوقت الذي برزت فيه منتديات أهلية غاية في النشاط قد تكون بديلة، هذا إذا ما تجاوزنا الحديث عن الطفرة التقنية الكبرى في أيدي الشباب والرواد.. لماذا لا تتساءل المؤسسة عن السبب في تكرار الوجوه القليلة في حضور أنشطتها وما الذي دعا البعض الآخر أن يستغني عن الحضور، مفضلاً المقهى مع أصدقائه، وهل هو من نأى أو هي من نأت أو هي من أقصت وإن بطريقة غير مباشرة وربما غير مدرَكة؟!! لماذا لا تتساءل المؤسسة أيضاً عن الرؤى البديلة التي يمكن لها أن تستقطب جمهورها وتجعله شريكاً فاعلاً معها، بدلاً من السير على خطى من ساروا قبلها وبنفس الوسائل عدا استحداث جهاز العرض المرئي والقهوة الفاخرة؟ وأنا هنا لا أقلل من الدور الذي تقوم به المؤسسة فما زالت المهرجانات والدوريات الفصلية وطباعة الكتب هي من حسنات الأندية التي تشكر عليها. ولكن لي أن أتساءل: أنشئت الأندية وسارت بالتعيين ردحاً من الزمن، وتبدل الحال وتم عمل انتخابات في خطوة أكثر ديمقراطية، واستقالت إدارات وتولت زمامها أخرى ونحن ما زلنا نتحدث عن دور الأندية وماذا يجب عليها أن تقدم وما هو دورها وما دور المثقف تجاهها أيعقل حتى اللحظة لم تتبلور لدينا فكرة حول الأندية رغم مرور ما يربو على أربعين عاماً ونيف على أقدمها؟ وأعتقد أننا مستقبلاً سنراوح السير بنفس الخطى والإيقاع ما لم يقم المثقفون بدورهم الحميم في إشعال فتيل المؤسسة التنويري وما لم تقم المؤسسة باستحداث معالجات دقيقة تستصفي من خلالها الآراء وتلتفت إلى تفعيل جميع التوصيات التي تخرج بها ختام كل مهرجان أدبي أو مؤتمر ثقافي.. واسمح لي أخيراً أن أتقدم بهذا المقترح لوزارة الثقافة وهو العمل على إنشاء لجنة تقييمية للأندية تختار النادي الأكثر تميزاً خلال العام وتسلط الضوء عليه ولماذا تم اختياره (ناديا للعام) ثم تقدمه نموذجاً للثقافة وذلك عبر آليات مدروسة يضعها ذوو الاختصاص، فقد يكون هذا من شأنه أن يرفع منسوب العطاء، لما قد يصنعه تنافس حقيقي بين الأندية يزدهر به مشهدنا الثقافي.