لم يتبدل شيء في طهران، ليغيّر المرشد لهجته التهديدية، وليقول إن الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران أضر ببلاده وبالإسلام، ولم تخرج إيران من سياسة المخادعة وتدبير المكائد ليتنكّر وزير خارجيتها ظريف لما كتبه في النيويورك تايمز، قبل أيام قليلة، حينما هدّد المملكة بالاختيار بين دعم الإرهاب على حد زعمه، أو مد يدها إلى معاليه لحفظ استقرار المنطقة، وبلغة تحمل من شحنات التخوين ما يقطع أي خط رجعة، ليخرج علينا مجددا وبكثير من الرومانسية السياسية زاعما أن المواجهة مع المملكة ليست في صالح أحد. ما الذي حدث خلال أيام قليلة لتتبدل لغة الساسة الإيرانيين تجاه المملكة 180 درجة، ما بين التهديد بالانتقام الإلهي، إلى الاعتراف بأن العدوان على السفارة والبعثات السعودية أمر لا مجال فيه للمفاخرة؟ الإجابة ليست صعبة ولا مستحيلة على كل من قرأ ويقرأ سياسات نظام الولي الفقيه، منذ ثلاثة عقود وحتى الساعة، وفي كل الساحات التي امتدت إليها يده، أو دس أنفه فيها من خلال أعوانه ومحازبيه من أصحاب المال النظيف، والانتصارات الإلهية المبجلة، فهذا النظام من الواضح جدا أنه لا يجيد فهم أي لغة سوى لغة القوة، والمواجهة على الملأ بكشف الحقائق، فهو في البداية تمادى في استعداء بلادنا مستفيدا من رغبة الغرب في غض الطرف عن تجاوزاته في هذه المرحلة صيانة للاتفاق حول الملف النووي، وحتى لا يسقط من الوهلة الأولى، لكن حينما اتخذت المملكة موقفا حاسما وحازما، وكشفت خارجيتها أمام الرأي العام الغربي والعالمي صحيفة سوابق النظام، والتي ضمت أكثر من 50 انتهاكا من النظام الإيراني تجاه المملكة والمجتمع الدولي، هذا عدا ما لم يُعلن عنه من قبل بعض الدول التي تعرضت للانتهاكات الإيرانية. لقد كشف بيان الخارجية سوأة نظام طهران أمام العالم أجمع، وأحرج الحكومات الغربية التي أرادت أن تربّت على كتف طهران بتجاوز عدوانها على المملكة؛ لتمرير اتفاق النووي أمام شعوبها، لتضطر كما يبدو للضغط على إيران للتهدئة، والإذعان إلى هذه اللغة السلمية الهادئة التي لم تكن ذات يوم ضمن قاموسها السياسي، وإنما فقط تستطيع أن تستعيرها كلما أحستْ بالخطر؛ لأنها تخشى مواجهة الحقائق، فهي ليست في صالحها، وكل ما تريده هو أن تنفذ سياساتها العدوانية والتوسعية عن طريق وكلائها في المنطقة العربية، والتي ضمت بفعل (المال النظيف) بعض رموز من أدعياء القومية العربية للأسف، رغم أنه لا أحد يعرف كيف تلتقي القومية العربية مع احتضان المد الفارسي في أربع عواصم عربية؟، وهو ما يُفاخر فيه الساسة الإيرانيون. ولكن العجب من هذه المفارقة سينتهي حتما؛ حينما ندرك أننا نعيش زمن تسليع الضمائر، بفضل قدرة نظام الملالي على الشراء، وتوظيف موازنات شعبه لهذه الأغراض الرخيصة التي وضعتْ المنطقة برمتها على كف عفريت.