إن أعظم أعمال القلوب إخلاص الأعمال والأقوال لله وحده، والقلب الخالي من الإخلاص قلبٌ مجرد من محبة الله مهما أظهر المرء من العبادات، ذلك أن القلب هو محل نظر الله - عز وجل - قال ابن القيم رحمه الله : لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فاقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص. الإخلاص عادة يكون بين العبد وربه ولا يطلع على أعماله أحد غير صاحبها، فمن أهم مراتبه الاخلاص في العبادات والمعاملات مع الغير، والتفاني في العمل والصدق في القول. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم. إخلاص العمل واجبٌ على العبد بنص الكتاب والسنة، قال الله تعالى : «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ» [الزمر]. كان علي بن الحسين زين العابدين يحمل الصدقات والطعام ليلاً على ظهره، ويوصل ذلك إلى بيوت الأرامل والفقراء في المدينة، ولا يعلمون من وضعها، وكان لا يستعين بخادم ولا عبد أو غيره، لئلا يطلع عليه أحد، وبقي كذلك سنوات طويلة، وما كان الفقراء والأرامل يعلمون كيف جاءهم هذا الطعام، فلما مات وجدوا على ظهره آثاراً من السواد ، فعلموا أن ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره، فما انقطعت صدقة السر في المدينة حتى مات زين العابدين، إنه الإخلاص. قال القرطبي رحمه الله : "وفي هذا دليلٌ على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله - تعالى - لا غيره" لذلك لم يكن الإخلاص والبعد عن الرياء سهلا على النفس، إنما هو من أصعب الأعمال وأشقها على النفس، ويحتاج إلى مجاهدة ومحاسبة، الواجب علينا أن نخلص في أعمالنا وأقوالنا كي نحظى باحترام الآخرين ونحظى بجنة عرضها السماوات والأرض مع المخلصين لله تعالى. لو أن القلوب أخلصت لله - جل في علاه - لذاقت حلاوة الإيمان، فاتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم، واخلصوا النية لله - تعالى - كي تنالوا جنته.