قبل 3 عقود من الزمن زاملت بإحدى قواعد المملكة الجوية، عددا من العسكريين الباكستانيين باختلاف رتبهم، وسبب تواجدهم آنذاك هو حاجة المملكة الماسة في تلك الحقبة التأسيسية للقوات المسلحة السعودية، لقوى بشرية فنية متخصصة، وقد واجهت المملكة النقص الفني، باستقطاب عدد من الفنيين المتخصصين الباكستانيين، للتدريب والوظائف الفنية، وكان هذا ثمرة من ثمار تعاون عسكري علني قديم بين السعودية وباكستان، فالأخيرة دعمت الجيش السعودي لوجستيا وساهمت في تأسيسه، وقد وُفِّقت المملكة كثيراً في اختيار الشريك العسكري الاستراتيجي مأمون الجانب، فجيش باكستان من أكبر الجيوش في العالم، وهو الجيش المسلم الوحيد الذي يمتلك سلاحا نووياً، وصناعات عسكرية متطورة وأسلحة تكنولوجية حديثة، ولديه الكفاءة التدريبية والقتالية العالية، ومن خلال تجربة عملية سابقة ولصيقة بالعسكري الباكستاني، الذي هو الاقرب لمثيله السعودي لما يجمعه معه من مشتركات مهمة، أستطيع القول إن العسكري الباكستاني يبهرك باحترافه وانضباطه وإخلاصه وإتقانه وحسن مظهره، وقبل ذلك صدق انتمائه وولائه الكبير لعقيدته، لذلك كان العسكري الباكستاني الخيار الأنسب والأمثل!! التحالف والتعاون العسكري بين السعودية والباكستان، ليس وليد لحظة سياسية عابرة، تنتهي صلاحيته بانتهاء ذلك الظرف السياسي المؤقت، فهو تحالف يضرب بعمقه في اطناب التاريخ، ناشئ عن علاقة وثيقة تاريخية يمتد عمرها لأكثر من 6 عقود، فالبداية كانت بمعاهدة صداقة رسمية، وقعها في مدينة جدة الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1371ه، ملخصها (علاقة أخوية إسلامية صادقة وسلم دائم، وعدم استخدام أراضي أي من الدولتين للإضرار بالأخرى)، وبهذا المبدأ الواضح والرؤية الثاقبة والاستشرافية للقيادة السعودية، كان الإيذان بانطلاقة شراكة عسكرية وأمنية، وتعاون عملي وأخوي كبير، مازال مستمرا ويتوسع بين البلدين، فباكستان تجد في المملكة بعدا دينيا وثقلا اقتصاديا لها، والمملكة ترى في باكستان عمقا عسكريا استراتيجيا، كحليف وثيق وقوة اسلامية يحسب حسابها!! العلاقة التاريخية والأخوية بين البلدين في أوجها، والمملكة تنفرد مع باكستان بعلاقات ثنائية حميمية، هي من أوثق العلاقات توطدت هذه العلاقة تباعا وبتلقائية من خلال المواقف المشرفة، طوال الصراعات والمواقف السياسية المتعددة لكليهما، فالمملكة لم يتوقف دعمها لباكستان، وانتهاء بالموقف السعودي الصلب في الصراعات، الذي تقدره باكستان وتحتفظ به في ذاكرتها، فعندما تخلى عنها الجميع، كانت السعودية حاضرة بالدعم والتأييد، بشأن قرار تجربتها النووية عام 1998م، وساعدتها لتتجاوز الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية ب50 الف برميل يوميا من النفط مجاناً، بالإضافة لاستثمارات كبيرة ويوجد على اراضيها مليونا باكستاني، وفي الجانب الباكستاني مازالت المواقف ثابتة، فقادتها طالما أعلنوا بصوت واحد، تعهدات باكستان بالدفاع عن السعودية، إذا تعرض أمنها ووحدتها وسيادتها للخطر، مواقف تدلل على التفاهم الدائم وتطابق وجهات نظر المسئولين في البلدين، حيال جميع القضايا الحساسة التي تمس وجود وأمن البلدين، ولم يحصل أن سمعنا يوما ما أي توتر في العلاقات، عدا ما يثار من جعجعة يفتعلها ويضخمها إعلام جهات مغرضة، لديها قلق ووسوسات سببتها العلاقة المتينة، وتسعى لتفكيك هذا الارتباط القوي بأي وسيلة، باختلاقها للشائعات ونسج الفبركات الخيالية، لكن المسؤولين في البلدين كانوا يقطعون الطريق عليهم، بتبادل الزيارات الودية والتأكيد على زيادة التعاون واستمرار التنسيق والتخطيط !! باكستان ستبقى شريكا فريدا موثوقا، وزيارة وزير الدفاع السعودي قبل أيام لباكستان، تأتي في سياق التنسيق والمشاورات المنتظمة بين البلدين، للبحث عن جديد يقوي العلاقات ويطورها، ويقود لمرحلة جديدة من التعاون الأمني والعسكري، لمواجهة عدو مشترك يلعب بالورقة الطائفية!!