الجهد الثقافي للمبدعين والمبتعثين والمفكرين مهم في تقريب المسافة الإنسانية والحضارية بين مجتمعنا ومجتمعات «الآخر» عبر البحار، والأمر المهم أن الابتعاث ليس مشروعا أو برنامجا علميا وتعليميا وحسب وإنما يمثل سفارة إنسانية متكاملة تقدمنا للآخر، ولذلك فإن هذه الشريحة تحديدا معنية ببذل الجهد الأفضل لعكس الصورة الحضارية والثقافية لبلادنا وأهلها. أعجبتني مؤخرا المحاولة الإبداعية السينمائية لبعض المبتعثين بانتاج وعرض فيلم بعنوان «حوار وطني» في أكاديمية الأفلام بلوس أنجلوس، من تأليف خالد الحربي وإخراج فيصل الحربي، ويمثل فيه هند الصائغ ومحمد فايز، ذلك يتماس مع صناعة السينما العالمية ويبرز بجوارها في موطنها هوليوود، ويلفت الانتباه إلى أمرين مهمين أولهما القدرات الفنية المبدعة لأولئك الشباب العامل في إنتاج الفيلم، وثانيهما الموضوع الذي يستهدف تقديم الرسالة الإنسانية المطلوبة التي تخترق العقل الغربي وتؤثر فيه بذات الأدوات التي انتقل بها إلى مجتمعات العولمة من خلال الفنون وموضوعاتها المتنوعة. من المهم أن يستمر جهد أولئك الشباب ويحصلوا على الدعم من السفارة وبرنامج الابتعاث الذي يمكنه أن يبتكر قنوات دعم لمثل هذه الأعمال، كما يمكن لوزارتي التعليم العالي والثقافة والإعلام أن تلاحق أولئك المبدعين بالرعاية وتوفد مندوبين لمشاهدة العرض الأول، وتحفيزهم معنويا وماديا، لأنهم في الواقع يختصرون طريقا طويلا للنفاد الى العقل الغربي من أجل تغيير الصورة النمطية الجافة والغليظة عن سلوكنا الإنساني وهويتنا، وأننا يمكن أن نكون في ذات الكفاءة الإبداعية والقدرة على تحقيق تأثير مهم في الصورة الذهنية، وذلك عمل يتطلب تكاليف ضخمة من أجهزة الدولة يختصره أولئك الشباب في فيلم قصير يرسل الرسالة المطلوبة التي تتناسب مع استيعاب الآخرين لما يشاهدونه ويرونه. الفن يحمل كثيرا من الرسائل الإنسانية التي ربما لم نتعامل معها في التعريف المثالي بنا، ولم يتم توظيفه كأداة تحدث اختراقا في النمطية التي تسيطر على الآخرين عن بلادنا ومجتمعاتنا، ولذلك يكون جميلا لو تم الاتساع بهذه التجربة لانتاج المزيد من الأعمال السينمائية الرائعة وتطويرها من ذات فكر الشباب وليس إملاء أو توجيها، فهم يعرفون ما ينبغي تغييره في فكر الآخر، ويعيشون وسطه ولذلك يبقى أن يحصلوا على دعم وتشجيع والانخراط في مزيد من التجارب التي تجعلهم يؤثرون بفعالية أكثر، ويحققون تقاربا ضروريا من أجل الحصول على صورة ذهنية تؤكد أن هناك إبداعا وإنسانية ومضمونا فكريا وثقافيا أرقى بكثير مما يحتفظون به في عقولهم عنّا وعليهم أن يكتشفوه من خلال مثل هذه الأعمال المبدعة.