بوصفي أحد المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي في المملكة, فقد رأيت منذ زمن ليس بالقصير تلك الحالة البائسة التي يتعكز عليها خطابنا الثقافي, إذ هو خطاب ليس له سؤال معرفي, وليست لديه رؤية انسانية, كما أن من ينتمي لأي خطاب ثقافي فإنه سيصبح فيما بعد الوعي متلبساً بالكآبة -ربما- وبقلة المسارات والطرق التي يحاول السير فيها, وخذ على سبيل ذلك ما يسمى بمشاريع الأندية الأدبية أو مراكز البحوث أو جمعيات الثقافة, وأغلب هذه المنشآت الثقافية تحتاج إلى إعادة غربلة, وصياغة رؤية, وجهود مخلصة للنهوض بها. إن الانغلاق هو من أهم الاشكاليات التي تمر بها المؤسسات الثقافية لدينا, وأقصد بالانغلاق عدم الانفتاح على أفكار ومنجزات الآخرين الذين سبقونا في المجال الثقافي والإبداعي, ولذلك فعندما ترى تلك المحاولات المشكورة لتجديد الحراك الثقافي في الأندية والجمعيات والجهات المعنية بالشأن الثقافي لاتلبث إلا أن تراها وقفت أمام طرق مسدودة ومعوقات كثيرة ويُعتقد أن الحل هو في تغيير رأس الهرم الإداري, والأمر ليس كذلك. لماذا لانرى سفارات العالم تفتح مراكزها الثقافية في بلدنا وتقدم من خلالها الدورات والبرامج التدريبية في اللغات والمعارف وفنون الثقافة؟ لماذا لا نرى سفارات العالم تقيم بعضاً من ورش العمل الثقافية في شئون الكتابة والأدب وصناعة الصورة؟ لماذا لا نرى سفارات العالم تقيم لقاءات ثقافية للتعارف بين مثقفين سعوديين ومثقفين من بلدانها؟ وحتى لا أذهب بعيداً عن الموضوع فأبدأ بالسؤال التالي: ماهو دور السفارات والقنصليات العالمية في المملكة في تقديم العون التنظيمي والتدريبي لمؤسساتنا الثقافية, وللأفراد من المواطنين؟ إن الذي أعرفه أن أغلب سفارات المملكة في الخارج تقدم رسالة مهمة للآخر في تعريفه بالإسلام والثقافة العربية, والمنجزات الحضارية السعودية, ولكن لماذا لانرى ذلك لدينا في المملكة وخاصة أن التبادل الثقافي هو من أهم الاعتبارات الإنسانية والدبلوماسية التي تضطلع بها الدول؟ لماذا لانرى سفارات العالم تفتح مراكزها الثقافية في بلدنا وتقدم من خلالها الدورات والبرامج التدريبية في اللغات والمعارف وفنون الثقافة؟ لماذا لانرى سفارات العالم تقيم بعضاً من ورش العمل الثقافية في شئون الكتابة والأدب وصناعة الصورة؟ لماذا لانرى سفارات العالم تقيم لقاءات ثقافية للتعارف بين مثقفين سعوديين ومثقفين من بلدانها؟ إن التبادل الثقافي ليس هو مجرد انجاز معاملات قانونية وإدارية لطلاب سيسافرون للدراسة وللابتعاث, إن هذا أمر جيد ولكن ماذا بشأن الطلاب والمواطنين الذين لن يكون لهم نصيب من السفر والابتعاث؟ لماذا لاتُقام لهم برامج للثقافة والمعرفة من خلال جهود سفارات العالم التي في بلدنا؟ في الدول المجاورة تقوم السفارات العالمية بنشاط رائع من أجل تنشيط الحالة الثقافية والفكرية في البلد الذي تعمل فيه, وخاصة فيما يخص مسابقات الكتب والتأليف كجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية التي تشرف عليها الجامعة الأمريكية في القاهرة, وجائزة ابن رشد للفكر الحر التي يتبناها المركز الألماني للإعلام التابع للسفارة الألمانية, وعلى ذكر السفارة الألمانية فسفاراتها تقوم بجهود مذهلة من خلال برامج ومراكز كثيرة لعل منها: الجمعية الألمانية للكُتَّاب الشباب, والمهرجان الدولي للأدب, المركز الألماني للشعراء والروائيين وكتاب المقالات. ومسابقات كثيرة في الأفلام القصيرة والطويلة, ودعم مشاريع الشباب الإعلاميين والروائيين والفنانين, وأذكر أنني التقيت بعدد من إخواننا العرب في الأردن يدرسون من خلال منح وبعثات تقدمها لهم سفارات العالم التي في بلدهم وذلك من خلال اتفاقيات التبادل الثقافي. إن الخطاب الثقافي في المملكة بحاجة لأن تنفتح عليه سفارات العالم ثقافياً, وذلك من أجل أن تتجدد دماؤه وتختلط بالمثاقفة والاستفادة من الخبرات والتجارب, إنني أدعو إلى تفعيل اتفاقيات التبادل الثقافي لتشمل جميع المواطنين في الداخل, لا بعض المواطنين الذين لهم واسطات فيسافرون ويُبتعثون باسم التبادل الثقافي بناءً على قرابات بعض المسئولين دون غيرهم, والتبادل الثقافي حق وطني, ومشروع حضاري يكفل لنا التجديد والنهوض من تبعات البيروقراطية الثقافية التي نعيشها. [email protected]