تعودنا أن نستمع لأجدادنا وأبائنا وهم يروون لنا قصص الماضي الجميل، فنستمتع ونشتاق أن تعود بنا الأيام لذاك الزمان الرائع، لنعيش لحظاته بكل تفاصيلها المثيرة، ومن حنايا الماضي ودور الأيام انطلقت قصة مثيرة جدا ل"كرة اليد السعودية"، حملت بين طياتها الكثير من الروعة والجمال، بل والتحدي المميز مع الذات. أما مكمن الروعة والجمال فيها، فمصدره أنها ما زالت مستمرة رغم تغير أبطالها، فجيل ضم بين حناياه الثلاثي الذي لا ينسى عبدالرحمن عايد والسيد أحمد حبيب وعبدالعظيم العليوات، زرع بدور التألق في أرضها الخصبة، وسقاها تضحية واخلاصا، ليبدع جيل العميد مناف والينبعاوي والحربي بندر وحسين اخوان في قطف ثمارها، ليعود قائدها المحنك تركي الخليوي ويقلم أشجارها بكل مهارة ودقة من خلال ضخ دماء جديدة تروي عروقها، وتكتب مجدا جديدا في أوراق كتبها. ولا يمكن لأحد أن يختزل قصة "كرة اليد السعودية" في عدة كلمات، فتألقها وإبداعاتها وانجازاتها وأبطالها بحاجة إلى كتب وربما إلى مجلدات من أجل أن توفيها حقها، ولذلك سنقتصر هنا وباختصار كبير على رواية قصصها ال (7) في التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة اليد، والتي كان مناف آل سعيد بطلها الأميز من خلال تواجده الفعال في (6) قصص منها. القصة الأولى انطلقت من تصفيات غرب آسيا التي أقيمت في العاصمة القطريةالدوحة عام (1996)م، بمشاركة (4) منتخبات وهي: قطر، البحرين، ايران، بالإضافة للمنتخب السعودي، الذي أشرف عليه فنيا المدرب البوسني القدير أكرم جانيش. الحظوظ كانت متساوية نسبيا، خاصة في ظل غياب بعبع آسيا المنتخب الكويتي، لكن الإعداد المميز للمنتخب السعودي والقراءة الفنية المميزة لمدربه البوسني أكرم، اضافة لحنكة الرئيس الذهبي لكرة اليد السعودية محمد المطرود، كلها عوامل صبت في مصلحة المنتخب السعودي، الذي تصدر التصفيات وتأهل لبطولة العالم باليابان (1997)م، ليطير لملاقاة الصين في لقاء تحديد بطل آسيا، الذي أقيم في بانكوك وتمكن المنتخب السعودي من الانتصار فيه متوجا ببطولة آسيا للمرة الأولى في تاريخه. عاد البوسني أكرم لكتابة القصة الثانية من الدمام في العام (1998)م، وهذه المرة بمشاركة المنتخب الكويتي، لتثبت يد الأخضر بأنها باتت تشق طريقها بين كبار آسيا دون خوف أو هلع، محققة التأهل الثاني على التوالي لنهائيات كأس العالم بمصر (1999)م. وبعدها بعام فقط، كانت قصة تأهل المنتخب السعودي الثالثة لنهائيات كأس العالم بفرنسا (2001)م غريبة جدا خلال التصفيات التي استضافتها العاصمة الأردنية "عمان"، فعقب بدايته القوية ونجاحه في الوصول لنهائي التصفيات إلى جوار المنتخب الكويتي، رفض الاتحاد الاردني اقامة المباراة على ارضه، لتبدأ مرحلة المعاناة من خلال رفض المنتخبين لكل الخيارات المطروحة فيما يخص مكان اقامة المباراة الختامية، ليقرر الاتحاد الاسيوي اقامة قرعة لتحديد بطل غرب آسيا، التي ابتسمت للكويت، وأجبرت المنتخب السعودي على مقابلة المنتخب الياباني القوي في لقاء فاصل يحدد المتأهل الثالث عن القارة الآسيوية في بانكوك، وحينها تفوق الأخضر على نفسه وعلى كل العوائق التي واجهته، وتغلب على اليابان في واحدة من أروع مبارياته مر التاريخ تحت قيادة المدرب السويدي العالمي اولسن. أما القصة الرابعة في ايران (2002)م، فكانت صعبة ووعرة جدا، خاصة عقب الخسارة أمام المنتخب الياباني في دوري المجموعات، وحينها كان يجب على الأخضر السعودي أن يتجاوز المنتخب الكوري الجنوبي وهي مهمة كانت أشبه بالمستحيلة، لكن نجوم اليد السعودية نجحوا في ذلك تحت قيادة المدرب الوطني علي العليوات، ليتأهل لدور النصف نهائي الذي واجه خلاله المنتخب الكويتي وخسره بغرابة، ليضطر لملاقاة المنتخب الكوري المكتمل الصفوف من جديد في صراع مثير على البطاقة الآسيوية الثالثة، ليفجر أبناء الوطن مفاجأة من العيار الثقيل أقصوا من خلالها المنتخب صاحب الترتيب ال (12) على مستوى العالم، وأعلنوا تأهلهم لكأس العالم (2003)م بالبرتغال. غاب المنتخب السعودي عن المشهد العالمي لمدة (6) أعوام، قبل أن يعود لخامس مشاركاته في بطولة العالم بكرواتيا عام (2009)م، ثم غاب مرة اخرى عن بطولة العالم (2011)م بالسويد، ليعود ليظهر عالميا للمرة السادسة في اسبانيا (2013)م، عقب حلوله ثالثا في التصفيات الآسيوية المثيرة التي أقيمت في جدة. ويبدو أن القصة السابعة كانت الأكثر غرابة، حيث لم ينجح المنتخب السعودي في التأهل لنهائيات كأس العالم (2015)م بقطر في بادئ الأمر، لكن انسحاب منتخبي البحرين والامارات، اضافة للتصنيف العالمي المميز الذي حازه المنتخب السعودي في كأس العالم بإسبانيا قاداه للتأهل والمشاركة من جديد في المشهد العالمي. ومساء أول أمس الجمعة بدأ المنتخب السعودي بنجومه الشبان في كتابة أولى فصول القصة الثامنة، عقب أن تفوق بجدارة واستحقاق على المنتخب الايراني، على أمل أن تستكمل تلك الفصول بنهاية النسخة ال (17) من البطولة الآسيوية المؤهلة لبطولة العالم (2017)م بفرنسا.