سلّطت مواقع التواصل الاجتماعي الأضواء على عوالم ووجوه لم نكن نألفها أو نعرفها من قبل، وقدمتها نجوماً تقف وتعبر السجادة الحمراء كمشاهير وشخصيات بمهن ومسميات ومصطلحات جديدة لديها الآلاف.. بل ملايين المتابعين، ومن أبرزها مصطلح ال «فاشينيستا»، فمع ظهور هذه المواقع أصبح من السهل علينا تتبع خطوات عالم الموضة والأزياء -وهو لقب يطلق على فتيات نجحن في أن يلفتن الأنظار إلى أناقتهن العالية، وأسلوبهن المتميز في انتقاء الملابس واختيار الاكسسوارات وقصات الشعر والشالات والعباءات، على ذوقهن الخاص دون فرض من مصممي الأزياء والماركات. أصبحت «الفاشينيستا»، وخاصة (الكويتية) محط أنظار العالم العربي في الموضة والأزياء، فلطالما عرف المجتمع الكويتي في كونه الرائد خليجياً في الاهتمام بالأناقة وعالم الموضة والأزياء التي تتعلق بأسلوب الحياة العصري، فمنهن المرأة والزوجة والأم التي اشتهرت بتنسيقها لطلّات مريحة ولائقة بالحجاب، وتوثيق حياتها مع زوجها وطفلها، ومنهن خبيرة المكياج ذات الملامح الحادة، ومنهن المعروفة بروحها الطيبة ومشاركتها لمقاطع شيقة وطريفة لعائلتها. عصر الصورة مرتبط بثقافة الاستهلاك التي هي ثقافة المظهر والسطح والإبهار، وهذه الجوانب تحتوي بالتأكيد على عيوب أو نقائض، لأن الاهتمام بالمظهر يتم على حساب العمق في كثير من الأحيان، انتشار ظاهرة «الفاشينسيتا» بهذا القدر هو نتيجة طبيعية لأفكار العولمة وما بعد الحداثة، وبالتالي فهي عضو في المجتمع الذي يتفاعل مع كل هذه المعطيات وليست طارئة أو قادمة من فضاء آخر، بل استطاعت أن تتعامل بذكاء، وهذا بالتحديد ما أعطى الفتاة الخليجية هذه الفرصة للظهور. وهو ذاته الأمر الذي أثار موجة من الاستهجان والسخرية عند قطاع عريض من المتابعين، ربما لأن المجتمع الخليجي مازال يوصم بالمحافظة ولم يتعود أن يكون للمرأة هذا الدور، إلاّ أن هناك من يرى أن أدوارهن لا تتعارض مع القيم ولا متطلبات اللحظة، خاصة الفاشينيستا المحافظة التي لا تتعمّد افساد الذوق العام بالترويج لسلع راكدة باهظة الثمن لمصلحة المحال التجارية. في نظري إن كانت هناك مشكلة فهي ليست في ظاهرة «الفاشينيستا» فقط، بل في وعي المجتمع والمتابع لقنوات التواصل الاجتماعي، والذي أصبح مستعدا للاقتراض في سبيل الاقتناء أو الاستعارة أو اللجوء لتقليد الآخر لمداراة شخصية مزيفة لا تشبهه ولا تتناسب معه ولا مع امكانياته، لأنه لم يعد يؤمن بمقولة (مد لحافك على قد رجليك). «الفاشينيستا» الحقيقية -نعم أتحدث عن الحقيقية- ليست مجرد دمية، أو أداة للتفاهة والسذاجة أو للزينة كما ينظر إليها بعض المتابعين، بل هي بمثابة الموديل المعياري للموضة ومنتجاتها، وهو أمر تتوق إليه المرأة دائماً في كل زمان ومكان، خاصة «الفاشينيستا» التي لم تتخذ ذلك مجرد مهنة، بل أسلوب حياة بشكل عام.