فكرة التحوّل الوطني بمعنى إعادة ضخ مشروع تنموي مجتمعي لأي وطن، لتصحيح ثقافة أو مسيرة وتغيير معادلة العمل الحكومي والتشريعات الإجرائية إلى مسار إصلاحي، يحقق معادلة تغيير في واقع البلد، ويضخ روح تفاؤل كبيرة وحماسا في أوساط الشباب الذين يُشكلون غالبية كبرى من القاعدة الوطنية. هو مشروع مهم للغاية، في كل وقت، ولكنّه في مثل هذه الظروف التي تحيط بالمملكة، من انفجار إقليمي واستهداف مركزي متصاعد من دوائر غربية وعواصم متعددة توحّدت مع محور موسكوطهران، هو ضرورة قصوى. والمهم هنا ليس زخم المشروع الإعلامي الموسمي على الإطلاق، وإنما بناؤه التأسيسي وآثاره المباشرة على الفرد والمجتمع، وحجم التغيير والتفاعل الذي سيُرى في روح المواطنين ومؤسسات الدولة، وخاصة مؤسسات الدولة في مسار المجتمعات المدنية وتقدمها المعرفي، وسلوكها الأخلاقي، والحقوق والعدالة القضائية والتنمية الشاملة، كل هذه المسارات ممكن أن تنطلق بأفق منسجم، وعزيمة جامعة، لا يسع الوقت للتردد فيها. وليس لي خلفية عن الملف المعد للمشروع الرسمي المعلن للتحول الوطني، ولكني أرى أن مجموعة الشباب المشرفين على المشروع، يحملون نبضا اجتماعيا وطنيا، حريصاً على اختراق الواقع المحبط لبعض الشباب السعودي، وصناعة ورشة تفكير جديد. يساعدها أن الأمير محمد بن سلمان بذاته، حسب خطابه للمشروع متحمس لتحقيق معادلة تغيير مختلفة، لتجديد الثوب الوطني، وهي معادلة تأخرت كثيرا، وتأتي اليوم في ظل عاصفة عنيفة تضرب المنطقة، بين مشروع إقليمي طائفي معادٍ، وغلو صنعته تراكمات الواقع العربي، وتدخلات الغرب وجذور غلو في خطاب ديني. غير أننا سنُسهم هنا برؤيتنا تجاه هذا المشروع على أمل أن يكون محطة فعلية لانطلاقة وطنية مختلفة تماما عن تجارب الماضي، فيحصد منها الشعب والدولة رصيداً مهما وقاعدة أرضية تتجاوز بها التحديات. ونُدرج ذلك في الآتي، مؤكداً على أن بعض المسارات الفرعية التي يعتني بها المشروع ليست سلبية ابداً، لكن نجاح المشروع وطنيا سيقوم على المسارات الرئيسية: 1- التحول الوطني يحتاج كأساس أن ينطلق من قاعدة واسعة تمثيلية للشعب، فتُشارك فيه كل الأطياف الوطنية والاجتماعية، وخاصة الدينية، كونها حاضنا واسعا لقواعد شبابية مهمة ومؤثرة. 2- ليس المقصود من توسيع هذه الشراكة وضمها لكل أطياف الوطن، التنازل عن توجهات تصحيحية تحتاج مصارحة مع الخطاب الديني، ولكن المقصود، أن جملة من المواقف تُتخذ عبر شكوك، وعدم الثقة، فيتخندق البعض ظناً منه أن هذا الأمر مصادم لشريعة الله، ويَستهدف بناءه الاجتماعي على الخصوص، فيما هو تصحيح شرعي لسلوك الفرد وأفق الحرية الواجبة في الشريعة. 3- وعليه حين يستمع لأصوات علماء الاعتدال في ورش المشروع، ويُشارك هو بنفسه فيها، يطمئن خاطره ويتخلص من كثير من الظنون والشكوك، التي تغذّيها حرب تيار آخر ضده، يطرح خطابه التحريضي على هامش المشروع، فيخسر الوطن والمجتمع معاً، تحت أتون هذا الصراع. 4- فقه الشريعة المعتدل، لن تقبل به أوروبا ولا دوائرها التي قررت الاستهداف، ولن ترضى عنّا وعنها، وانسجامها مع محور موسكوطهران قرار سياسي لا خلفية تقييم ثقافية، لكنه ما نتبناه وطنيا لأنها شريعة الإسلام التي آمنّا بها، والاعتدال الذي تعبدنا لله به، وأن الغلو كان ولا يزال منبوذا مذموما في شريعة الأنبياء. 5- من هنا يؤسّس الخطاب الوطني الجديد، الذي يحترم كل شرائح الوطن بواديه وحواضره، وطبائعه المختلفة، ومدارس فقهه الشرعية. 6- هذه الثقافة تتعطش لها الغالبية، وهناك الكثير منها على استعداد لمراجعة فقهها المتشدد، بحجة أنه اليوم في أرض معترك مع تيارات معادية، حين تتبنى الدول رعاية طاولة الحوار والتقدم للتنفيذ لإقرار مساحة السعة الكبيرة للشريعة في الحياة الاجتماعية للرجال والنساء معاً. 7- من هنا سيتخلّق في المجتمع تيارٌ صاعد، هو بذاته يصحح غلو وسلوك بعض أفراده، وردّ الثقافة التي تؤذي المجتمع، ويصطادها الغرب في مشروعه الأممي المعد لمواجهة المملكة، وتهديد استقلالها الفكري والسياسي بل والوجودي. 8- هذه الأجواء لا يمكن أن تتحقق دون أجواء احتفائية ومشاعر شراكة وطنية، وتوجيه الخطاب الإعلامي للشراكة بين المجتمع، وليس الصراع، أو اشعال حفلات المسابة تحت مسميات الغيرة الوطنية أو الدينية، ولكن بسماع الرؤى وصناعة الفكرة، التي تُقدم لصالح أمانة التحول الوطني، أو طاولته المستديرة، مباشرة أو عبر الحوار المجتمعي الواسع. 9- إن عنصر بناء الثقة الوطنية وتعزيزها، هو القاعدة الثانية الضرورية لنجاح هذا المشروع، وهو يقوم على البعد الآخر للتحول الوطني، عبر مبادرات لم الشمل الوطني، وإنهاء الملف الحقوقي المعلق، وهو ما سيُشعل حماسة واسعة في قواعد الشباب، تعزز المسير الوطني الجديد. 10- وفي حين تعمل هذه الورشة الكبيرة، بين أبناء الوطن، تُنتخب طاولة خاصة من النخب الوطنية الاجتماعية الإصلاحية المتعددة، لتطرح تصورات البناء الجديد، وسياسة المرحلة الداخلية والخارجية، لتكوين قاعدة رأي ومعلومة وتحليل، تدعم صانع القرار في خيارات دقيقة للغاية، نجاة الوطن فيها ووحدته ونهضته، هي الفوز الكبير.