من باب (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، نجد في الخطاب القرآني تسلية وتطمينا بأن الحياة ليس فيها شر محض، وخطاب الآية فيه ايضاً تربية إيمانية وتهيئة روحية، لكل من تعثرت أمانيه وأتت الامور على غير مبتغاه وإرادته، ولو استوعبنا هذا المضمون، ما كان هناك فئة من المواطنين أصيبت بنوبات الهلع بمجرد سماعها عجز الموازنة السعودية، وعند اعلان بعض الإجراءات الاقتصادية، اعتراها السخط واحاطت نفسها بالسوداوية، وعلقوا كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، يتمتمون بانزعاجهم وعدم رضاهم، بتحميلهم جزءا طفيفا لا يثقل كاهلهم من تكلفة الطاقة، التي ما زالت هي الأرخص عالمياً، في الوقت نفسه تناسوا تنعمهم سنوات طويلة بدعم حكومي لكثير من الخدمات التي ساهمت في رفاهيتهم، ولا تدري لماذا يفتعل هذا الضجيج؟، رغم أن الميزانية سبق اعلانها ارهاصات واضحة، وكان العجز أمرا متوقعا حدوثه، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة، كحربها على المجوس خارجيا وعلى الارهاب داخليا، اضافة لانهيار أسعار النفط المفاجئ. هذه الظروف مجتمعة وغيرها من التحديات المحيطة، كفيلة بأن تخسف باقتصاد وميزانية أي دولة مهما كانت قوة اقتصادها، والواقع انه ليس هناك ما يدعو للمبالغة في القلق، فالاقتصاد السعودي يخطو خطوات آمنة، ولكن القطيع الذين بالغوا في الجزع والنياحة، ينقصهم كثير من الحكمة لتقدير الوضع السياسي والعسكري لبلدهم، ولو أعملوا عقولهم ما كان لهم أن ينساقوا بدون وعي خلف الكثير من التقارير والتحليلات الاقتصادية، التي لا تخلو من هوى التضليل والتهويل والتشكيك الدائم، فالمرجفون في المدينة دأبوا على التشويش، وجعل المواطن في دوامة التشاؤم بإحاطته بنظرتهم القاتمة للمستقبل الاقتصادي لوطنه، وفي المقابل هناك مواطنون كُثر يدققون بفطنة عالية في كل ما يطرحه عليهم المغرضين، وتعاملوا مع الوضع الجديد وبإحساس وطني، وتصدوا بمسئولية للرسائل السلبية، التي هدفها ترسيخ التوجس والقلق في ذهنية المواطن البسيط!! الدولة التي بدأت في بناء اقتصادها الحديث، بحاجة لدعم وتعزيز هذا التوجه من أفراد وأسر المجتمع السعودي، بترشيد استهلاكها وتغير نمط نفقاتها، فترشيد الاستهلاك وإيقاف الهدر المالي والحفاظ على المال العام، قبل أن يكون سياسة اقتصاد دولة، من المفترض أن يكون ثقافة مجتمع تبدأ أساساتها من بيوتنا، التي يبدأ الخلل من تخطيطها العشوائي الذي لا يراعي الترشيد، للأسف فالأسر ما زالت تعيش بمعزل عن ثقافة الترشيد، فارتفاع الأسعار متواصل، والحياة المعيشية طلباتها في تزايد وسلوكها الشرائي لم يتغير، ورب الأسرة صاحب الدخل الواحد مُصر على عشوائية الصرف لراتبه، وليس لديه أي شكل من أشكال التوازن بين إيراداته ومصروفاته، فبسبب الهدر المالي على الكماليات وكل ما هو غير ضروري، تجد الأكثرية من منتصف الشهر وهو يبحث عن سُلفة لسد العجز حتى نهاية الشهر، وتبقى حياته على هذا المنوال لسوء ادارته المالية!! وعلى رأي قائل (جزى الله الشدائد كل خير) فإن استمرار الحال من المحال، فرغم سلبية الوضع باعتقاد البعض، إلا أن العجز وانهيار اسعار النفط أعتبرها منحة ربانية، جعلتنا نشعر بالخطر المستقبلي، ونفكر بطريقة اقتصادية مختلفة، فالدولة الآن تقود انتفاضة اقتصادية، ولديها توجه جاد لمعالجة العجز بحلول جذرية، فالمسئولون عن الاقتصاد السعودي يتحدثون عن بناء قاعدة اقتصادية متينة، ومتوجهون نحو اقتصاد منتج لا يعتمد على النفط، محوره حول تفعيل سياسة ترشيد الاستهلاك والنفقات ووقف الهدر المالي، ورفع كفاءة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل، والمأمول تنمية شاملة للموارد البشرية، ليشارك المواطن السعودي في بناء اقتصاد وطنه، فهو هدف التنمية الأول كما ذكر خادم الحرمين الشريفين في خطابه أمام مجلس الشورى!!