«رب ضارة نافعة»، هذا ما يمكن أن يوصف به وضع سوق النفط العالمي حاليا، فانهيار الأسعار الذي انعكس بشكل كبير على موازنة السعودية للعامين 2016/2015 سرع من وتيرة وضع خارطة طريق جديدة للاقتصاد السعودي تعتمد على كفاءة إدارة المال لا الوفرة المالية.. صحيح أن ذلك تأخر كثيرا، لكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا. السعودية اليوم أمام تحد تاريخي لبناء اقتصاد جديد لا يعتمد على النفط بشكل أساسي كما كان حال اقتصادها طوال 85 عاما تضاعفت خلاله ميزانيتها بنحو 36 ألف مرة (أول موازنة سعودية بلغت مصروفاتها 14 مليونا فقط)، ولولا أزمة النفط الأخيرة لما دفعنا دفعاً لهذا التحدي الذي ماطلنا في موعد مواجهته طوال العقود الماضية. لدينا اليوم «مجلس للتنمية الاقتصادية» يمارس مهمة «الإنقاذ التاريخي» باحتراف ويستعين ببيوت الخبرة العالمية لإعادة صياغة خارطة الاقتصاد وتنمية الإيرادات عبر وسائل مختلفة لا تقتصر على الحل السحري المعتاد «ترشيد الإنفاق مرحلياً»، بل تتجاوزه لبناء اقتصاد منتج وفعال مع وقف الهدر المالي الذي لا يعود بفائدة على الوطن والمواطن، وقد يستغرق ذلك عدة سنوات لتحقيقه، لكن ملامح نجاح هذا التحول ستظهر قريباً دون شك إن وضعنا أولى خطواتنا على الطريق. خادم الحرمين الشريفين وضع السعوديين بكل شفافية أمام المشروع الجديد وجهاً لوجه عبر كلمته بمناسبة صدور الموازنة، إذ أكد على توجيهه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية «بالعمل على إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، وهذه الميزانية تمثل بداية برنامج عمل متكامل وشامل لبناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل، وتنمو من خلاله المدخرات وتكثر فرص العمل، وتقوى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع مواصلة تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، وتطوير الخدمات الحكومية المختلفة، ورفع كفاءة الإنفاق العام، ومراجعة منظومة الدعم الحكومي، مع التدرج في التنفيذ لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، مع مراعاة تقليل الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال». الإعلان عن هذه السياسة الاقتصادية الجديدة دون أي تحفظ أو مواربة يوجه عدة رسائل من القيادة للمواطنين وللخارج أيضاً، من أهمها وأبرزها أن ليس هناك ما يدعو للقلق على مستقبل الوطن واقتصاده، فهو تحت السيطرة والتوجيه للأفضل وأن مشاريع التنمية مستمرة والإشكاليات القائمة في طريقها للحل وفي مقدمتها مشاريع الإسكان المتعثرة منذ سنوات بسبب ضعف إدارة هذه الأزمة وعجزها عن إيجاد حلول غير تقليدية اعتمادا على الوفرة المالية. كما تنطوي السياسة الاقتصادية الجديدة على مراعاة المواطن من خلال عدم تحميله فاتورة كبيرة للإصلاحات المرتقبة، وهذه لفتة مهمة جداً، تؤكد أن المواطن محور خارطة التحول الاقتصادي السعودي نحو مستقبل «مأمول» تأخر كثيراً ولم يعد هناك بد من الذهاب إليه.