تحدثنا في المقال السابق عن أهمية ودور الصلح الواقي من الإفلاس في استقرار المعاملات التجارية، وعن بعض الإجراءات الأولية التي يقدم عليها التاجر لطلب الصلح الواقي من الإفلاس، واستكمالاً لذلك ففي حال قيام التاجر بطلب هذا الصلح، فإنه يتقدم بطلب إلى رئيس ديوان المظالم الذي يحيله إلى الدائرة المختصة للنظر فيه، بشرط أن يشتمل هذا الطلب على إبداء الأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع المالي للتاجر، وشروط التسوية التي يقترحها إن وجدت. إلى جانب اشتمال الطلب على العديد من البيانات ومنها، بيان تفصيلي بأموال التاجر المنقولة وغير المنقولة وقيمتها الدفترية عند طلب التسوية، وبيان بأسماء الدائنين والمدينين وعناوينهم ومقدار حقوقهم وديونهم، وإقرار من التاجر بأنه لم يحصل من قبل على تسوية واقية يجري تنفيذها، وإذن بطلب التسوية من أغلب الشركاء في شركة التضامن وفي شركة التوصية البسيطة، ومن الجمعية العامة العادية في الشركات الأخرى. كما اشترط النظام أيضا إلى جانب أن يكون طالب الصلح الواقي من الإفلاس تاجراً، أن يكون مركزه المالي مضطرباً، ويقصد بهذا الشرط أن التقدم بهذا الطلب يقتصر فقط على التاجر المدين المعسر الذي اختل مركزه المالي لأي سبب من الأسباب، أما التاجر الموسر الذي يتصف مركزه المالي بالثبات والاستقرار ويستطيع الوفاء بالتزاماته تجاه دائنيه، فلا يجوز له التقدم بطلب الصلح الواقي من الإفلاس. ومن ضمن الشروط الموضوعية الأخرى اللازمة للمطالبة بالصلح الواقي من الإفلاس أن يتصف التاجر المدين بحسن النية وسوء الحظ في آن واحد، أي أن يكون صادقاً أميناً، وأن يكون اختلال مركزه المالي راجعاً إلى ظروف خارجة عن إرادته، كحدوث تغير في أسعار الصرف، أو نشوب حرب أو انقلاب سياسي وعسكري، أو حدوث أزمة اقتصادية كالتي تعرضت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 2009م وأدت إلى إفلاس كثير من المصارف وانعكس تأثيرها السلبي على العالم بشكل عام. ولهذا يمنح التاجر حسن النية فرصة بدلاً من أن يستمر في التعثر وينتهي به الحال إلى عدم القدرة على الدفع والوفاء بديونه وعندها ربما لا يستطيع تجاوز هذه الأزمة والوقوف على قدميه تارة أخرى، وبالتالي يكون شهر إفلاسه أمراً حتمياً، ومدى توافر حسن النية من عدمه لدى التاجر المدين هو مسألة تخضع للسلطة التقديرية لديوان المظالم. ومن ضمن الشروط الأخرى المتطلبة في هذا الشأن أن تتم إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس -وفقاً للمادة السابعة من هذا النظام- بناءً على موافقة غالبية الدائنين، بشرط أن تكون هذه الأغلبية حائزة لثلثي الديون العادية غير المتنازع فيها. وبعد استيفاء الشروط اللازمة لإجراء التسوية الواقية من الإفلاس فقد تطلب النظام في المادة الثالثة أن ينظر ديوان المظالم في الطلب المقدم على وجه الاستعجال وأن يصدر قراراً بافتتاح إجراءات التسوية، ويتم فيه تعيين أحد أعضائه للإشراف على إجراءات التسوية، ورقيب أو أكثر يعاونه في مباشرة الإجراءات. ومن أجل المحافظة على حقوق الدائنين فقد أجازت المادة الرابعة لديوان المظالم أن يصدر أمراً باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على أموال المدين أو لإدارتها، كتوقيع الحجز التحفظي أو غيره من الإجراءات الأخرى، إلى أن يتم الفصل في طلبه. كما أجازت أيضا لديوان المظالم أن يندب خبيراً لبحث ودراسة الأسباب التي أدت إلى اختلال مركز التاجر المالي وتقديم تقرير مفصل عن ذلك. وكما بينا سابقاً أن الصلح الواقي من الإفلاس يهدف إلى منح التاجر الفرصة اللازمة لاستعادة توازنه ومتابعة نشاطه، ولذلك فلم يرتب النظام على البدء في إجراءات هذا الصلح غل يد المدين عن ممارسة نشاطه التجاري وإدارة أمواله، بل منحه الحرية اللازمة لمواصلة نشاطه وتسيير أعماله التجارية العادية على الوجه الأمثل تحت إشراف قضائي. وفي الوقت ذاته حظر عليه بعد صدور قرار افتتاح إجراءات التسوية، القيام بإجراء بعض التصرفات التي تخرج عن إطار الأعمال التجارية العادية، والتي يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بالدائنين، ومنها إجراء أي تصرف ناقل للملكية أو التبرع بشيء من ماله أو عقد صلح أو رهن، إلا بعد الحصول على موافقة من القاضي المشرف على إجراءات التسوية. أما في حال قيام التاجر بإجراء مثل هذه التصرفات من دون الحصول على موافقة أو إذن بذلك من القاضي، فلا يسري أي تصرف من هذه التصرفات في مواجهة الدائنين. وسوف نكمل الحديث في المقال القادم إن شاء الله حول هذا الموضوع الحيوي والمهم.