في الأسبوع الماضي وفي إحدى المباريات الكبرى في استاد 5 يوليو بالجزائر العاصمة، أطلقت الجماهير الرياضية بصورة عفوية مشتركة اهتزت لها جنبات الملعب، أغنية شهداء فلسطين، وهي من تراث جزائر المليون شهيد، التي لم يخفُت نبضها عن روح الأمة ومعركتها المصيرية، رغم كل الظروف السياسية المختلفة، هذا الوهج في الضمير الشعبي العربي، كلما راهن على خنقه المعسكر الغربي وأدواته، وهو المستثمر والزارع الأصلي للكيان الصهيوني الغاصب، يفشل أمامه ويعود صوت دويه من جديد. هذا الكيان الذي أسفرت كل مشاهد الواقع العربي الأليم، وخطوط الحراك الغربي المتعددة من واشنطن إلى موسكو، أنه هو المحور الرئيس الدائم، في مشروع الامبريالية العالمية، وليس ذلك لتعصبه ضد الشرق الإسلامي فقط، ولكنّه يُمثل الترس الذي راهنت عليه قوى الاستعمار القديمة لاستنزاف الأمة، وها هو يعود من جديد. هذه العودة تبرز في أبشع صورها في الهولوكوست الذي يُصب على الشعب السوري، وبعد كل رحلة العذاب تبين أن تل أبيب هي ملتقى المحاور، وأُعلن رسميا فيها وفي موسكو أن العمليات المشتركة على سماء سوريا، والتي تقصف المدنيين وقوات الجيش السوري الحرً وحلفاءه، تُنظّم بكثافة وبتنسيق عالي المستوى بين محور موسكوطهران ومحور تل أبيب واسناد الغرب الصلب لها مع أدواته في المنطقة. نعم إنها الحقيقة، يذبح الشعب السوري لتأمين تل ابيب، وتتحد إيران الطائفية المستبدة، مع حركة المركز الصهيوني، لتَسقط أكاذيب البروبوغندا الإعلامية التي صدعت بها رؤوس الأمة الإسلامية، وأصبح شعار الموت لإسرائيل مختبئاً خلف الحلف الإرهابي الذي اتحدت معه ميدانيا تحت مظلة التفاهم، هذه البروبوغندا ليست صوتا إعلاميا وحسب، ولكنها بالفعل شكلت حركة صراع محدود منضبط، زحفت عبره إيران لتبتلع لبنان العربي وتقصي مقاومته العربية، بالتنسيق مع الأسد، ثم تعود اليوم لتكون الشريك من جديد لمشروع تل ابيب وأمنها. إنها حكاية القوى الإقليمية ومصالحها الاستعمارية، والتي قدمت فيها طهران بعد تخاذل العرب عن مهمتهم، وجبة شراكة تُمزق احشاء الطفل السوري وأحشاء الوطن العربي ومستقبله، ولذلك فهذه القوافل التي لا تتوقف من شهداء سوريا، ومذابح اطفالها، تُهرق اليوم للمعركة المشتركة، فحرية الشعب السوري وضمان حكمه المستقل بإرادته الوطنية، عدو مشترك لعمامة ولي الفقيه ولطاقية صهاينة تل ابيب، هذا لم يعد حديثاً عاطفياً ولا تحليلاً سياسياً، ولكنه مشهدٌ مرئيٌ، أمام العالم. ولذلك ورغم كل محاولات تحييد الصراع المباشر مع تل ابيب إبان أول انطلاقة الثورة السورية، فقد فشلت تلك النظرية لأن تل ابيب أعلنت الى حلفائها بكل قوة أن بقاء الأسد هو الأضمن لأمن إسرائيل، وهو في الحقيقة المحرك الدافع للمحاور من اتفاق بوتين واوباما في سان بطرس بورغ، الى اتفاق واشنطن الأخير في مجلس الأمن وتشريع قتل الشعب السوري عبر الجيش الأحمر، في مادة قانونية يقتل بها الروس اليوم، بالتنسيق مع رادارات وسلاح الجو الإسرائيلي آلاف المدنيين جلهم من الأطفال والنساء. ولذلك فالمعركة شاءت الأمة أم أبت موحدة في منظور العدو واستراتيجيته، فباتت حربة المناضل الفلسطيني البطل في ال 48 وفي غيرها، متصلة مع معركة الجيش السوري الحر، الخصم واحد، سوى أن في سوريا، الإرهاب يصب على الشعب أكثر من فلسطين، التي خاضت حركة كفاح تاريخية، باتت فيها الحركة الصهيونية أقل قدرة على المجاهرة بآلة الإرهاب المسعورة للتحالف الإيراني الروسي وميلشياته، وإن بقي لها فنونها الإرهابية المختلفة، ضد أبناء فلسطين. إن هذه الروح المقاومة في شوارع القدس ويافا وحيفا وحدود التماس مع غزة والضفة الغربية، هي ثورة الأمل التي تعود من جديد لتذكرنا بأن بوصلة الأمة دائما هي فلسطين، فلسطين التي تفضح تجار المقاومة، وتضم أشقاءها في الجيش السوري الحر وحركة أحرار الشام وحلفائهم، من أبناء سوريا، ستظل تدفع الخَبَث وتغيّر المعادلة، وتُنبت نظريات صراع، هي وحدها من أربكت جون كيري، وكاد نتانياهو أن ينتف شعره، بوسائط مقاومة بسيطة، تعرقل مشروع الإرهاب الصهيوني الأكبر. إنها رحلة الأمة، التي يدفعها إليها الغرب، حتى لو انزوت وطلبت شيئا من حق الحياة الإنساني، فهو لا يعترف بهذا الحق، ثم يسأل من أين تَوّلد إرهاب داعش وغيرها!! وهو يُشرّع وبقرار دولي مزيدا من القتل للشعب السوري، ويشرّع بغطاء ضخم سحق الإنسان والأرض وإحلال الغاصب في قلب القدس وحيث بقي شبر أرض فلسطيني، هنا معادلة الرد يفرضها المُحاصَر المهدد بقتله في بيته وشارعه، لا منصات الخطاب ومجالس الخوف الأممي.