قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، والجار من الجوار والعون والدفاع بالنفس والمال، وقديما قالوا: (جارك من أجارك). فيا من وجه لحظة للحظات متعة نتنة عفنة يقتنصها بالنظر الحرام إلى جارته.. أقول له: إن الجنة قد فاحت رائحتها مسيرة 100 عام حرمت نفسك وأورثتها الخديعة ونشرت الخيانة، وبدلا من كونك لجارك معينا مغيثا.. صرت خائنا بشعا تجمل نفسك بمواريث المستورد من الأفكار، وبدلا من كون الدين والقرآن وسمت الأتقياء قدوتك.. صارت أخلاق الساقطين وروايات المروجين المفسدين.. صارت إليك.. وسارت حتى حفرت في قلبك طريقا مليئا بحواجز الصدأ والظلمة.. فصار كالكوز منكسا لا يعرف حلالا من حرام. فانتبه -أخي- فإني أعلم والله أنك صاحب مروءة وصدق إحساس فأرِ ربك منك خيرا.. واعلم أن الجيران ثلاثة، الأول: له حق الجوار.. وهو الجار الكافر، والثاني: له حق الجوار.. والإسلام، والثالث: له حق الجوار.. والإسلام .. والقربى. وقد علمنا أنه لا يرح ريح الجنة من لا يأمن جارة بوائقه. وقد أعجبني ذلك التفاعل العجيب بين أسرتين.. إذا غاب عائل الأولى كان الثاني لهم أبا.. يقضي حاجتهم ويزيل كربتهم ويؤنس وحدتهم.. إطاره الإسلام وقدوته نبي الإسلام وأصحابه الكرام العظام. وفي تفسير قوله: «والجار ذي القربى والجار الجنب» قرينة المقابلة في الوصف تعطي أن يكون المراد بالجار ذي القربى الجار القريب دارا، وبالجار الجنب -وهو الأجنبي- الجار البعيد دارا، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: تحديد الجوار بأربعين ذراعا. وفي رواية: أربعون دارا، ولعل الروايتين ناظرتان إلى الجار ذي القربى والجار الجنب. وقوله: والصاحب بالجنب هو الذي يصاحبك ملازما لجنبك، وهو بمفهومه يعم مصاحب السفر من رفقة الطريق ومصاحب الحضر والمنزل وغيرهم. فيلزمك أن تعطيهم إذا احتاجوا ولا تتأخر عنهم بالنصيحة.. وأضعف ذلك كلمة طيبة، أو تدفع عنه شرّا أو أذية له أو لأولاده، وصدقني فلن تعدم المثوبة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحقرّن أحدكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق). من تلك الآيات الكريمات التي تهذّب الطباع، وتوجه الفرد في المجتمع الإسلامي لحسن التعامل مع الآخرين، وخاصّة مع الجار، وتروّض نفوسهم على الخلق الحسن، في التعامل والعشرة، وبذل المعروف، ورعاية كافة الحقوق. ولأن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي الطريق الأسلم، الذي يرشد لما فيه الخير والفلاح، فإننا سنذكر منها ما تيّسر، وبالله المستعان: الحديث الأول: رواه أحمد بمسنده، من طريق إلى عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خير الأصحاب عند الله، خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) ورواه الترمذي ايضا وقال حسن غريب. الحديث الثاني: رواه الإمام أحمد أيضاً بسنده إلى عباية بن رفاعة عن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشبع الرجل دون جاره)، وهذان الحديثان يدلان على عظم حق الجار على جاره.. بإطعامه مثل ما يطعم، وبكمال الخيرية نحوه. وفي أدب المعاملة مع الجار.. حيث تجلب المودة، وتزداد الصلة والمحبة بين الجيران، يوصي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرجال والنساء على حدّ سواء، بنماذج من أعمال بسيطة، ولكنها ذات نفع مع الجار، وتعطي مدلول الألفة، وصفاء النفوس، لأن مثل هذا علامة الإحسان، الذي يحبه الله سبحانه، يقول -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرّ -رضي الله عنه-: (يا أبا ذرّ، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك)، إنها أمور صغيرة ذات أثر كبير.. وما أحوج الناس الى عملها لتزداد الرابطة والمحبة. قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)، أي دواهيه جمع بائقة الداهية، وجاء في حديث تفسيرها بالشر وهو تفسير بالأعم، زاد في رواية، قالوا: وما بوائقه، قال: شره، وذلك لأنه إذا كان مضراً لجاره كان كاشفاً لعورته حريصاً على إنزال البوائق به دل حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته، أو على امتهانه ما عظم اللّه حرمته وأكد جريرته، فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به فإن المعاصي بقلبه مستقرة، ومن ختم له بالكفر لا يدخلها، أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره. قال ابن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان.. وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان بقدر الطاقة كهدية وسلام وطلاقة وجه وتفقد حال ومعاونة وغير ذلك، وكف أسباب الأذى الحسية والمعنوية عنه هي الطريق الموصلة إلى جنة الخلد.