لقد كانت رحمها الله وغفر لها، أمّاً للجميع، للكبير والصغير، للقريب والبعيد، للجار الدائم وللزائر الهائم، يلتف حولها الجيران مستأنسين لها ولأحاديثها، صغاراً وكبارا، رجالاً ونساء، ويفرح بوجودها جميع من يعيش ويقطن في حيها الذي تسكن فيه، يحترمها الصّغير قبل الكبير والبعيد قبل القريب، وكانت مثالاً يُحتذى، في الطيبة وحُسن الخُلق والرأفة والرحمة، حتى أصبح جميع من عرفها وتعامل معها يناديها «ياأمي» ولقد بلغ من حنّيّتها على جيرانها وأطفال حارتها ونسائهم، أن صنعت بيديها فُرناً (تنّوراً) تشعله مما تجمعه بيديها ومن ما يجمعه لها أطفال الحي من الحطب والخشب لكي تصنع فيه خبزاً لجميع جيرانها، وتطعمهم منه، وذلك حرصاً منها عليهم وحباً ووفاءاً وتقديراً لهم، نعم، لقد أنهكت يداها خشونة الحطب ولهيب النيران، وتحمّلت وصبرت لا لشيء ولكن لكي تعمل بما وصّانا به حبيبنا وقدوتنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حول حقوق الجار، حيث ربط الإيمان كلهُ بإكرام الجار، ففي الحديث الذي رواه مسلم قوله عليه الصلاة والسلام « لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه «وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري قوله عليه الصلاة والسّلام» مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه»، وبما أمرنا به ربنا جل وعلى في قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل)، فعلى هذه الخطى النبوية المباركة، والأوامر الإلهية العظيمة، سارت وتعاملت «أم الخضْر» رحمها الله رحمةً واسعة وأسكنها فسيح جنّاته مع جيرانها وأحبابها، ولسان حال أبنائها وجيرانها وأحبّائها بعد فراقها هو كما قال القائل: صديقك اليوم لا عزٌّ ولا فرحٌ، ولا رفيقٌ من الأحزان يؤيه؟ قد كنت ملجأهُ في كُلّ نائبة، وكنت نوراً عن الظلماء يهديه، فاليوم صار وحيداً قلبه كسَرٌ، من الهموم ودمعُ العين يرويه. رحمك الله يا أمنا «أمُّ الخضْر» رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك وأبناؤك وأحبابك وجيرانك الصّبر والسّلوان، ولا نقول إلاّ ما يُضي ربنا، وإنّا على فراقك يا أمّ الخضر لمحزونون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.