صديقي الذي ولد وترعرع وتلقى تعليمه الثانوي بمكةالمكرمة، ثم غادرها إلى المنطقة الشرقية للعمل هناك على امتداد ثلاثين عاما، ثم انتقل عمله إلى جدة يقول في حسرة وألم: لقد تغيرت بكل أسف أخلاقيات التعاون والتعارف بين الناس، فلقد عشنا في مكةالمكرمة التي كان سكان كل حارة عبارة عن أسرة واحدة، كما كان الجميع من أبناء مكة يشكلون وحدة نشأت وعاشت في حضن المحبة والتكاتف، فالجار يرعى حقوق جاره، والصديق يعين صديقه، وحتى ابن الحارة كان شهما في المواقف. اليوم وبعد مرور ثلاثين عاما عدت إلى جدة واستأجرت شقة في إحدى العمائر السكنية متعددة الأدوار يسكنها مواطنون ووافدون من دول عربية شقيقة فجعت بانقطاع الصلة ليس بين أهل الحارة، وإنما بين سكان العمارة الواحدة. ثم يمضي وهو يتكلم بحسرة: لقد مضت علي عامان وأنا بالعمارة دون أن أعرف من يسكن معي مواطنا أو مقيما رغم أنني عند حلول رمضان عام 1430ه وأيضا بحلول رمضان 1431ه ذهبت لأحد محال بيع أفخم أنواع الحلويات الفاخرة واشتريت بضع علب منها ثم وضعت عليها كرتا عليه اسمي وكتبت على جانبه (من العائدين إن شاء الله) فلم أسمع ولا حتى كلمة شكر من أحد الجيران. ثم يسأل الصديق: ما بال الناس قد أصابهم جمود العواطف لهذا الحد ولم يقدروا قيمة الجوار وما حض عليه ديننا الحنيف؟. قلت: لقد شغل الناس بهموم الحياة، وتكاليف المعيشة المرهقة!. قال: لا أظن أن هذا وحده كاف لعدم التعارف، على الأقل ناهيك عن التعاون والتكاتف فإن للجوار حقوقا، إذ صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ومن حديث ابن عمر «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر «فليحفظ جاره». وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه»، ولمسلم أيضا «لا يدخل الجنة». فقلت لصديقي: وفي القرآن من قبل يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم). (والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب): قيل في تفسير (الجار ذي القربى): الجار الملاصق، وقال ابن كثير في تفسيره: يعني الذي بينك وبينه قرابة، (والجار الجنب): البعيد غير الملاصق، قال القرطبي رحمه الله: (والجار ذي القربى، أي القريب، والجار الجنب: أي القريب، قاله ابن عباس، وكذلك هو في اللغة) وقالت عائشة: (حق الجوار أربعون دارا من كل جنب). ومما يقوي المحبة بين الجيران التهادي، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولذا كان من حق الجار إطعامه في المناسبات ولو بشيء يسير، لحديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك، رواه مسلم. وأحق الجيران أقربهم بابا لما روته عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارتين فإلى أيهما أهدي؟، قال: إلى أقربهما منك بابا، رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم برواية البخاري أيضا: ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه. ويترتب على إكرام الجار الخيرية عند الله عز وجل للحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح قال: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران خيرهم لجاره. وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تصلي كثيرا وتصوم كثيرا، ولكنها تؤذي جيرانها، فقال «هي في النار». وفق الله الجميع لما هو خير. فاكس: 6671094 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 158 مسافة ثم الرسالة