الحديث مستمر عن كيفية استغلال الأمطار في مناطق الدرع العربي. كان هناك نتائج يسهل فهمها وتطبيقها وتطويرها. في دراسة لكاتبكم توصل إلى الكثير من الحقائق والأفكار والتطبيقات الثريّة.. موجودة في هذه المناطق، تراث مهاري كان سائدا إلى سبعينيات القرن الماضي، كان ذلك قبل ما يعرف بالطفرة.. أثرت سلبا على كنز التراث المهاري المائي والزراعي عبر القرون. أصبحت التفسيرات العلمية ضرورة؛ لمعرفة معالم وملامح علم إدارة مياه الأمطار واستثمارها في مناطق الدرع العربي، تم تحديد عناصر مهمة، أعرضها في نقاط؛ لتسهيل فهمها وتتبعها.. أولا: «الاستنتاجات والتفسيرات العلمية»، ثانيا: «الهياكل وتطبيقات وأنظمة إدارة ماء المطر واستثماره»، ثالثا: «الأنظمة وهياكل تطبيقات ممرات مياه الأمطار (السيول)»، رابعا: «الملاحظات حول أوضاع هذه الأنظمة المائية والزراعية التقليدية»، الوقوف على تلك العناصر وتحديدها مكّن من إعطاء تفسيرات علمية، ورسم خريطة ذات معنى وقيمة وفلسفة علمية.. البناء عليها منهج لصالح البيئة والإنسان، الأهم لصالح المستقبل، لصالح الأجيال القادمة. لفهم أكثر دقة، الهدف تشكيل أساس كفرشة لثقافة بيئية.. لتحفيز القارئ على قراءة المشاهد بطريقة صحيحة.. أيضا لتأسيس القدرة على قراءة التراث المائي والزراعي بطريقة علمية، أقدم لكم مقالات أشبه بالوثائق.. مُفيدة لأجيال لم تعش حياة تلك العناصر.. قد يشاهدونها تراثا تخلّف ليس له قيمة.. قد يعجزون عن فهم فلسفتها ومبررات وجودها، قد يرونها تشويها في زمن غير زمنها، قد تُعطى تفسيرات ليس لها قيمة وشأن. أسعى أن يكون لها كلمة عُليا، كتراث شاهدا على ما كان في بعض بقاياه، قبل تهدمه واندثاره وزواله، الأجيال تخسر حتى حياتها في غياب فهم بيئتها وتراثها وثقافتها البيئية. العنصر الأول الذي أطرحه اليوم يتناول: «الاستنتاجات والتفسيرات العلمية».. تحت هذا العنوان وضع كاتبكم (6) عناوين مهمة، تمثل رؤية شخصية لاستنتاجات، ولقراءات لمشاهد هذا العنصر، قد يكون هناك الكثير مما غاب، لكني سعيد بما توصلت إليه من استنتاجات، أعتبرها أساسا يمكن أن يشكل انطلاقة جهود آخرين في هذا المجال. هذه العناوين تحت هذا العنصر هي: (فلسفة إنسان الدرع العربي في إدارة مياه الأمطار)، (استراتيجيته في نظرته لماء المطر)، (مفهوم إدارة مياه الأمطار)، (متطلبات إدارة مياه الأمطار)، (معرفة وفهم البيئة)، (تخطيط البيئة). لنبدأ الحديث عن (فلسفة إنسان الدرع العربي في إدارة مياه الأمطار): استطاع بناء وتشييد المزارع المعلقة في رؤوس الجبال وعلى سفوحها، نحت الأرض الجبلية ليزرعها، كنجاحه في زراعة بطون أوديتها بطريقة عملية وعلمية، تجلّت قدرته وعبقريته وفاعليته ومهارته في فنون بناء المدرجات الزراعية، كأوعية حافظة لماء المطر، بجانب استغلال المساحات المفتوحة حول بطون الأودية، أيضا تميز بحسن توجيه مياه الأمطار وفنون تجميعها للاستفادة منها على مدار العام. كان إنسان مناطق الدرع العربي يعلم أن ماء الأمطار ينساب بعد تجمعه عشوائيا بكميات ضخمة ومدمّرة، لكنه تعامل معها بحذر وفن ودراية وحكمة، يرتقي هذا التعامل بمهاراته، لتكون أساسا لإدارة مياه السيول في مثل هذه المناطق الجافة، استطاع إيجاد الأسس العلمية الصحيحة المناسبة للبيئة من حوله ولنفسه أيضا. كما سيتضح في المقالات القادمة، أدرك أن الحفاظ على استمرار هذه البيئة سليمة جزء من مهمته، جزء من نجاحه لإدارة موارد هذه المناطق، أدرك أن بقاءها يمثل بقاءه، وتخريبها يمثل فناءه ونهايته. اعتمد في إدارته لماء المطر على أن يأخذ ويعطي، يستفيد ويفيد، يستهلك ويدخر، كنتيجة قام بهندسة وتخطيط الأماكن التي شغلها هو ونسله، وفق إستراتيجية لا يتوقف مدادها، تتوارثها الأجيال وتضيف عليها التوسعات المستقبلية حسب الضرورة، بهذا حقق استدامة النّجاح، هذا يعني استدامته على هذه الأرض الجافة. حدد فلسفته في البقاء وفق منظور مائي، كان ماء المطر المحور الأساسي لتحديد كل خطواته التوسعية، في تنمية وبناء وتعمير الأرض وحمايتها من جور تجمع مياه الأمطار الجارفة، تعامل إنسان الدرع العربي مع ماء المطر كمحصول، لا يختلف عن محصول الحنطة التي تحقق له الأمن الغذائي، اعتمد في إدارته لماء المطر على هذه الفلسفة، كنتيجة برع في حصاد مياه الأمطار، أيضا في تجميعها وتخزينها وفقا لاحتياجاته، سمح بمرور بعض الماء (السيول) للمناطق البعيدة من حوله، وفق رؤية واضحة خاضعة لتصاميم دقيقة؛ لمنع أخطارها على منطقته التي يعيش عليها.. ويستمر الحديث بعنوان آخر.