نعود اليوم الى حلقة جديدة من (ملف الشهر)، وفي هذه الحلقة رأينا ضرورة فتح حوار وطني حول قضية توطين وتوظيف السعوديين. العارفون بالحقائق الموضوعية لاقتصادنا الوطني ربما يستغربون ان تصبح البطالة قضية مخيفة ومزعجة لنا، في اقتصاد يتدفق بالفرص التجارية والوظيفية، وفي حقبة تكرس فيها الدولة الإنفاق الكبير على آلاف المشاريع. توظيف ابنائنا يُفترض ألا يتحول الى قضية تزعجنا وتصبح مصدرا للتوتر الاجتماعي، وإشكالية متجددة بين الدولة والنَّاس. يفترض ألا تقلقنا اذا نحن اخذنا بآلية او برنامج جديد للتوطين. ارتفاع عدد الباحثين عن العمل، بالذات من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين الذين تلقوا تعليمهم في جامعات عالمية راقية وفي تخصصات يحتاجها اقتصادنا، هذه الحالة التي تنمو الى الظاهرة هي الحافز الى طرح هذه القضية. وارتفاع اعداد الباحثين عن عمل يجعلنا امام هذا السؤال: هل اقتصادنا الوطني قادر أم غير قادر على توليد الوظائف؟ وإذا هو غير قادر، إذن أين الخلل؟. هذا السؤال يزداد أهمية اذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع أعداد المؤهلين من خريجي المؤسسات التعليمية، فالأعداد في السنوات القادمة في ارتفاع، والقطاع العام يغص بالعاملين فوق احتياجه، وليس لدينا سوى برنامج السعودة الذي يطبق عبر برنامج نطاقات، ومثل هذا البرنامج حقق بعض الايجابيات الا انه لم يحدث حلا جامعا مانعا كما بُشرنا، فمن خبرته مع سياسات الحكومة في التوظيف، استطاع الكثير من منشآت القطاع الخاص تجاوز البرنامج حيث لجأت الى (السعودة الوهمية)، وهو ما اتفق على تسميته لاحقا ب (سعودة الأرقام )، كما نتج عنه أضرار رئيسية مثل تأخير نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تضرر المستثمر الجاد في الصناعه والتجارة، وأدى هذا الخلل الى تفاقم ظاهرة التستر التجاري.. وهي سرطان اقتصادنا الوطني!. ربما الإشارة هنا إلى أن أزمة الوظائف في مجتمعنا لا تتحمل وزارة العمل وحدها إخفاقاتها او تعثرها، فالقضية (سيادية) ولن نحلها بدون جهد مشترك لمؤسسات الدولة، وايضا لن نحلها حتى نخرج من المسار الوحيد الذي اتخذناه منذ سنوات بعيدة، علينا ان نخرج من (صندوق) وخطط وبرامج السعودة المطبقة، والاتجاه الى سياسات (توليد الوظائف). لدينا العديد من المجالات التي تولد آلاف الوظائف. لدينا طبعا تجارة التجزئة، ولدينا فرصة انشاء شركات كبرى لإدارة المدن، ولدينا فرصة تجميع شركات الامن تحت مظلة شركات مساهمة كبرى لتقديم خدمات الامن والسلامة، ولدينا فرصة انشاء شركات للإنشاء والتعمير تحت مظلة سلاح المهندسين في وزارة الدفاع، لتكون ذراع الدولة للمشاريع الكبرى، ولدينا فرصة لم تستثمر وهي: توسع ارامكو في قطاع التسويق عبر انشاء محطات الوقود، ولدينا قطاع السياحة القادر على فتح فرص العمل والتجارة. اننا بحاجة الى طرح هذا السؤال: هل اقتصادنا الوطني قادر ومؤهل لتوليد كل الفرص التجارية والوظيفية التي يحتاجها أبناؤنا وبناتنا، وكيف نحقق ذلك؟ هذا هو السؤال/القضية الذي نطرحه للحوار الوطني عبر ملف الشهر.