أليكس روجر، مدير متحف فان كوخ في أمستردام، رجل ثقة، وهذا المعرض الطموح الجديد يبدو نتاجاً ملموساً جدا لهذه الثقة. فهي، قبل أي شيء، المرة الأولى التي يلتقي فيها ادوارد مونخ وفنسنت فان كوخ المعاصران لبعضهما والمصوران المتمردان على التقاليد. منذ بضعة أشهر كان هذا اللقاء يبدو مشؤوماً إن لم يكن غير محتمل على الإطلاق، ما الآن المدخل إلى فراغ المعرض الذي كان مغطى بطبقة من غبار وأنقاض البنائين. فالرواق الزجاجي الجديد، الذي يتضمن أيضاً غرفاً للمعاطف ومحلات الهدايا، ستفتح للجمهور فقط في الخامس من سبتمبر. وتعدّ قيمة اللوحات الخارجة عن التصور تحدياً أيضاً، فإحدى النسخ الخمس الأصلية من لوحة "الصرخة" لمونخ بيعت بِ «120» مليون دولار في عام 2012 لِرجل المال الأمريكي"ليون بلاك". وقد أُعلن حديثاً أن لوحة "منظر طبيعي تحت سماء عاصفة" التي رسمها فان جوخ في عام 1889 من المتوقع من قبل سوثبي أن تصل الى ما بين 50 مليونا و 70 مليون دولار في مزاد بنيويورك في نوفمبر. إن التأمين على الأعمال التشكيلية الغريبة المائة والثلاثين التي ستكون في العرض - حوالي 60 لكل فنان، بالإضافة إلى بعض معاصريهما - كان يهدد بخروج المعرض عن مساره لولا موافقة الحكومة الهولندية على المساعدة بتسديد فاتورة التأمين! يقول روجر مبتهجاً : إن المساهمة في المشروعين "تقريبا دفعت كل واحد متورط إلى حافة الجنون!" لكن العرض، وهو تعاون بين متحف فان كوخ ومتحف مونخ في أوسلو، حيث كانت الأعمال معروضة العام الماضي، فيه غرور يخفي تلك المشاكل تحت التأسيس! إن جدران الفراغ تردد أصداء الاستخدام الجريء للألوان، حيث تجملت اللوحات بالقرمزي والأرجواني الفخم والتركواز النعناعي الباهت. وتعليق اللوحات جيد ومرتب بحيث يسمح للأعمال بفسحة تنفس والقليل من متسع لزوار كثيرين متوقع أن يتدفقوا إلى المعرض لتسنح لهم فرصة مشاهدة تحف فنية مثل "الصرخة" و "العذراء" لِمونخ و"درج الصبر" و"صورة ذاتية بقبعة لباد" لِفان كوخ جنباً إلى جنب. وللسماح بالازدحام الذي لا يمكن تجنبه، فإن عناوين اللوحات طبعت في المقدمة العليا للوحة بدلا من الجانب بحيث تكون واضحة ومقروءة من مكان بعيد. المعرض يقدم الكثير ليفند بدقة التشابهات بين الفنانين، فان جوخ بغض النظر عن أنه ولد قبل عقد في عام 1853 قرب الحدود البلجيكية، وولد مونخ في قرية نرويجية صغيرة في عام 1863، كلاهما جاءا من خلفيتين فنيتين منعزلتين. وكان عند مونخ تدريب أكثر. لكن التدريب لم يكن حتى سافر كلا الفنانين إلى باريس (افتقد كل منهما الآخر على نطاق ضيق في مناسبتين فقط، كما في خط حبكة من فيلم كوميدي رومانسي). وأمضيا وقتاً بين الفنانين الانطباعيين، والانطباعيين الجدد، حيث بدآ تطوير أساليبهما الخاصة. إن أعمالهما التقليدية الطبيعية الأولى بدأت تظهر تأثير فنانين مثل جوجان ومونيه وسينياك. الاستعمال الجريء للألوان المعاصرة والحرة، زحفت إلى أعمالهما ضربات الريشة التجريدية تقريباً. إن كفاح كلا الفنانين لنوبات القلق والاكتئاب تجلت في المعاني المرضية ونسب خانقة والباليتات المحمومة. كتب فان كوخ مرةً أن "اللون يعبر عن شيء بذاته" وفي لوحته "الجسر في سكينة" ( 1888 ) ولوحة مونخ "صورة ذاتية مع زجاجة من الخمر" (1906 ) التوليفات التي تثير الغثيان للأخضر والبرتقالي والأصفر غالبة. وكلا الفنانين موهوبان ومتفردان إلى أبعد حد ليدعا تأثيرهما يطغى عليهما، فبينما يستخدم فان جوخ الضربات السميكة للريشة الغنية باللون تغني قماش اللوحة - على الأخص نراه جلياً مثلاً في ظلال الأخضر المترف في لوحته "الشجيرات التحتية مع اللبلاب" ( 1889 ) - بينما يفضل مونخ وسطاً أرق وأكثر جرياناً. حتى حيثما يضع المتحف اللوحات مع توازٍ واضح جنباً إلى جنبٍ، كما في حالة لوحتي الصورة الذاتية اللتين تفتحان المعرض "صورة ذاتية كمصور تشكيلي" لفان كوخ - 1887 - 1888 و"صورة ذاتية مع الباليت" لمونخ ، 1926 أو اللوحتان "الليالي المليئة بالنجوم" ( 1888 و 1922 – 1924 على التوالي) تميزهما يتألق بسطوة كما في تشابههما. وإن كان هناك خطأ للعرض فهو رغبتهم في أن يرسموا توازيا بين الاثنين فقيرا جدا يجعلك تجفل!! فقدر عشاق هاتين اللوحتين اللتين موضوعهما "السماء المليئة بالنجوم" أن يلتقوا، ولا داعٍ لفرض المقدمات. * عن "إيكونوميست" من اعمال ادوارد مونخ