أكثر من تظاهرة ثقافية تختص بالفن التشكيلي تحتضنها العاصمة الفرنسية في هذه الفترة وغالبية هذه التظاهرات تمتد حتى فصل الصيف من العام الحالي، غير أن أهم تظاهرتين تشكيليتين ينظمهما متحف "أورسي" في باريس، تضم أولاهما كلا من إدوارد مانيه، كلود مونيه، فوييار، ديجا، كايبوت، بيرو وجمعهم فنانون عبروا هذه الأيام من خلال لوحاتهم ضفة نهر السين حيث متحف "أورسي" إلى الضفة الأخرى من النهر حيث بلدية باريس، التي تحتفي بوجود عدد كبير من لوحات الباستيل والرسومات في قاعة العرض الخاصة بها حتى آخر يوليو المقبل من أجل إحياء زمن الانطباعيين في باريس. وتأتي هذه الاحتفالية بمبادرة ورعاية من متحف "أورسي" خلال فترة تجديده من قبل بلدية باريس التي تعرض ما يقارب من الستين لوحة لم يتم عرض غالبيتها على الجمهور من قبل مما يعد سابقة لرؤية هذه الأعمال الفنية لكبار الفنانين الانطباعيين، إضافة إلى وثائق ونماذج معمارية نادرة تعود إلى حقبة نابليون الثالث. ومن المفارقات الكبيرة في هذه التظاهرة، أنه في العام 1879 رفض تماما للفنان إدوارد مانيه مقترح تصميم ديكور تقدم به من أجل تجديد بلدية باريس وكان هذا الرفض قاطعا غير قابل للنقاش، وبعد ما يقرب من المئة والثلاثين عاما يعتبر عمدة باريس هذه التظاهرة بمثابة تكريم لحلم الفنان نفسه من خلال عرض مجموعة مختارة من أعمال الانطباعيين تعكس نظرتهم للحياة الحديثة، خصوصا وأنه في الأعوام ما بين 1848 و1914 صارت باريس والحياة فيها محور الاهتمام الفني، واستغرق الانطباعيون على وجه التحديد الحياة في المدينة بكل ما كانت تتمتع به من ديناميكية في ذلك الوقت. أما التظاهرة الثانية والتي تحمل اسم "مانيه مخترع المعاصرة" فيحتضنها متحف "أورسي" نفسه في الجزء الذي لن يتم تجديده هذه الفترة، وتمثل هذه التظاهرة شديدة الخصوصية لفتة لاستكشاف وتسليط الضوء على الوضع التاريخي لإدوارد مانيه (1832 1883)، والذي يتأرجح ما بين وراثة الرومانسية وبين تأثير معاصريه وتدفق وسائل الإعلام في ذلك الوقت على هذه الموجة الجديدة من الفنون. ومانيه لا يزال معاصرا من خلال تحدي أعماله لكل من سبقوه. ومن أهم ما يميز هذا المعرض هو تجانس اللوحات بحيث توضح صلات مانيه كما توضح تمرده على الحياة العامة والسياسية بشكل خاص في ذلك الوقت. من جهة أخرى تعد هذه التظاهرة جديدة من نوعها حيث لا يعرض من خلالها فقط أهم أعمال الفنانين الانطباعيين كما في بلدية باريس، بل يعرض المتحف مجموعة لوحات تم تجميعها بعناية كلها تتمحور حول علاقة أهم وأشهر هؤلاء الفنانين بعضهم ببعض، مما يجعل المشاهد للوحة وكأنه يقرأ تاريخ علاقتهم من خلال هذه الأعمال المعروضة، مثل اللوحة التي تتصدر مدخل المعرض بكامله والتي رسمها هنري فونتان لاتور والتي تجمعه بعد وفاة الفنان دولاكروا يحيط به كافة أصدقائه مثل مانيه وإميل زولا وبودلير ولوي كورتييه. وهكذا يشتمل المعرض على اللوحات التي تظهر مدى ارتباط العديد من الفنانين الانطباعيين في ذلك الوقت مثل سيزان ورينوار ومانيه ومونيه وبيسارو وغيرهم.