صحيح أن بعض الدول الأوروبية تعيد النظر في تعديل نظام اللاجئين؛ لتحديد الأعداد التي يمكنها استضافتها من اللاجئين، وهو تعديل ظهر على السطح في أعقاب توافد الآلاف من اللاجئين السوريين على عدد من الدول الأوروبية، وقد صاحب فترة التعديل تصاعد معاناة اللاجئين على مداخل تلك الدول، التي ارتأت إقامة الجدران العازلة والأسلاك الشائكة؛ لمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها. وصحيح أن الأممالمتحدة طالبت الدول الأوروبية باحترام حق اللجوء، واقترحت توزيع أعداد اللاجئين السوريين بالتساوي على عدد من الدول الأوروبية؛ خشية تدفق أعدادهم الفائقة على دول بعينها دون دول أخرى، وقد لا تتمكن هذه الدولة أو تلك من استيعاب الأحجام المرتفعة من اللاجئين. وصحيح أن منظمة التعاون الإسلامي دعت إلى عقد اجتماع طارئ؛ للبحث في تداعيات الأزمة، وحشد الجهود الممكنة لمعالجتها، والحد من تفاقمها، وقد طالبت المنظمة من قبل بإسقاط كافة الاعتبارات من حسابات الدول الأوروبية، والاكتفاء بالاعتبار الإنساني الكفيل بالحفاظ على كرامة اللاجئين. وصحيح أن الولاياتالمتحدة غيرت موقفها المعلن سابقا برفض فتح أبوابها للاجئين السوريين الفارين من عدوان النظام السوري، وتعهدت بزيادة أعداد اللاجئين إلى أراضيها. ولكن ما تم الصمت عنه وما لم يذكره أحد أن المملكة استضافت حتى اليوم ما يقرب من مليونين ونصف المليون من اللاجئين السوريين أي أضعاف ما استضافتهم أوروبا، انطلاقا من مبدأ تخفيف المعاناة عن أبناء الشعب السوري الشقيق، وقدمت لهم كل التسهيلات اللازمة للحياة في المجتمع، من عمل، ومدارس وجامعات، وسكن، دون مخيمات ودون دعاية ودون أسلاك شائكة ووكالات أنباء. وقد أكدت المملكة مرارا وتكرارا وقوفها إلى جانب أشقائها في سوريا، وأكدت في الوقت ذاته أن استقرار هذا البلد لن يتأتى إلا بالخلاص من النظام الدموي الذي ما زال يستمرئ قتل السوريين وتشريدهم ومصادرة حرياتهم وكرامتهم. كل الاعتبارات الإنسانية التي طرحت من قبل معظم الدول الأوروبية التي رحبت باستضافة اللاجئين السوريين تبدو وجيهة ومنطقية ومتوافقة في جزئياتها وتفاصيلها مع النظام الدولي المتعلق بحق اللجوء، إلا أن من الضرورة بمكان أن تعالج كافة دول العالم وعلى رأسها الولاياتالمتحدة السبب الحقيقي الكامن في تزايد وتضاعف أعداد اللاجئين السوريين إلى دول العالم، والمتمحور في عدوان النظام الأسدي الفاشي على أبناء الشعب السوري. إن تقاسم مسؤولية اللاجئين بين دول العالم قد يمثل حلا مؤقتا لأزمة اللاجئين السوريين، ولها صفة التصاعد مع مرور الوقت؛ نظرا لزيادة معاناتهم داخل بلادهم، وخروجهم منها كحل وحيد للحفاظ على أرواحهم وأرواح أهاليهم، وهو حل لا يمثل في جوهره إنهاء للأزمة القائمة التي ما زالت تزداد تفاقما. وإنما الحل الحقيقي في الخلاص من النظام الأسدي المتسبب في تصاعد تلك الأزمة ومضاعفة حجمها. أزمة اللاجئين السوريين ستبقى قائمة وماثلة أمام العالم كله طالما بقي النظام الأسدي جاثما على صدور السوريين الراغبين في الفرار من حكمه المتسلط، فمعالجة أزمة اللاجئين، كما ترى المملكة وتطالب، يجب أن تتزامن بالضرورة مع معالجة الأزمة السورية القائمة التي تمثل السبب الحقيقي لمعاناة اللاجئين وتضررهم، وبدون التوصل لحل تلك الأزمة المتمثلة في مواصلة النظام الأسدي لعدوانه الآثم على شعبه، فإن أزمة اللاجئين سوف تزداد تعقيدا وتضخما. ويبدو واضحا للعيان أن المجتمع الدولي بأسره مطالب اليوم قبل أي يوم مضى بعلاج الأزمة السورية، لا لأنها سوف تؤدي الى تضخيم أزمة اللاجئين وتصعيدها فقط، بل لأن الأزمة السورية ما زالت تؤدي لازدياد الأخطار الكامنة في تفشي ظاهرة الإرهاب، فقد أضحت دمشق بتصرفات نظامها الأرعن مرتعا خصبا للإرهابيين من فصائل داعش والقاعدة وحزب الله، ومرتعا كذلك لتدخل إيران السافر حيث أضحت هي الآمر والناهي على الساحة السورية المضطربة.