الويل ثم الويل للمجتمعات البشرية من الزمن المتغير، المتطور وما أبدعه من وسائل تقنية دقيقة أصبحت عامل كشف وتعرية وتفكيك لكل المجتمعات. وكلما كان المجتمع أكثر انغلاقا ومحافظة كانت الصدمات التي توجهها تلك الوسائل إلى صميمه أكثر شدة وأعمق غوراً. تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي التي لم نعد قادرين على إحصائها مثل الواتساب والتويتر والفيسبوك والسناب شات والانستجرام تسللت في صمت إلى صميم البنى الاجتماعية. أصبحت تقوم بدور النخر والتفكيك والكشف من الداخل لتلك المجتمعات. راكبة أجهزة التواصل الذكية بمختلف أنواعها كالإيفون والجلاكسي فالكاميرات المثبتة داخل تلك الأجهزة أصبحت تلعب دور الرقيب الراصد من الداخل لحركة المجتمعات، وخلاياها الأصغر كالأسرة، أو رفقة الاستراحة، أو ميدان العمل، أو أي تجمع مهني أو اجتماعي آخر. في الخليج بمجتمعاته المحافظة، في زمان لن يعود أبداً، كنا إذا جمعتنا رحلة ترفيهية كتلك التي تجمعنا حول شواطئ البحر، أو رحلات الشتاء في مواسم الربيع، بما توفره تلك الاجتماعات من تباسط وعفوية تكسر السمت الدارج، إذا أوشكنا على الفراق، نقول عبارة لبعضنا هي اقرب إلى الرجاء «استر ما واجهت» تلك العبارة تقال أيضاً حين يصادف أحدهم آخر خارج الحدود في مكان لا تقره بيئته المحافظة. كانت تلك العبارة تعول على مروءة المتقابلين الذين يقومون بستر ما شاهدوه هناك في ضمائرهم، وإذا لم نحسن الظن في قدرة البعض على كتمان الأمر فإنه على أسوأ تقدير سيشي بما رأى للبعض في حلقة ستظل ضيقة مهما توسعت. لا أظن الكثير من الأجيال الجديدة قد سمعت بتلك العبارة أصلاً فضلاً عن أن تلقي اهتماما لتطبيقها. الوسائل الحديثة في الأجهزة الذكية تتلصص على المجتمع وأفراده ترصد الفرد من حيث ما يظنه مأمنه، وفي لحظات يكون في أوعية الآخرين التواصلية بأرقام لا تحصى مدفوعة ربما بشغف من التقطها لجذب اكبر عدد من المتابعين المتهافتين على كل غريب وشاذ، أو بغفلته. هذه الأجهزة الحديثة تقلب المجتمع بطنا لظهر، ليس على مستوى التلصص فقط بل على جانب البوح واكتشاف حقيقة الشخصية فقد أعطت للجميع كباراً وصغاراً مهما كان مستواهم العلمي وقدراتهم الذهنية القدرة على بث ما يشاؤون على الملأ، بل إن المقاطع والتعابير التي تصدر عن غريبي الأطوار تكون أكثر انتشارا من تلك التي لا تزال تلزم الجدية والموضوعية. هناك من صور مع جثمان جده لحظة موته وهو يبتسم معبراً بكلمة (باباي جدو)، وهناك تلك الشخصية (التويترية) التي غردت في وقت تعج به المنطقة بجرائم الدواعش واستحلالهم دماء الآخرين لأنهم كفار بأن #التكفيرحريةشخصية!، وهناك تلك الشخصية الدينية التي تدعو إلى الزهد بينما شوهدت تغطي نفسها بالنقود من فئة الخمسمائة ريال وغيرها كثير مما لا يحسن في هذا المقام ذكره من فيديوهات وصور فرّت من أصحابها إلى الفضاء الإلكتروني. هذه الوسائل تفكك البنى القديمة في كل المجتمعات، تهتك سترها، تقوم بدورها بكل عنف أحياناً، تصدم الجميع دون أن تبالي. لكنها في الحقيقة لا تصنع شيئا من فراغ فلطالما كان الأمر خلف الستار كذلك.