على بريدي دوما تأتيني رسالة من أحد الأصدقاء يبرهن من خلالها إعجابه باليهود ودولة إسرائيل -لو صحت العبارة-، وفشل سواها معللا أن كل الصراعات والمؤامرات والأموال والنفوذ بيدهم، ولعل هذا الإعجاب له ما يبرره، ومن يقرأ على سبيل المثال سيرة «روتشيلد اليهودي» يدرك كيف لسلطة المال والتفكير الإستراتيجي أن تدير السياسات وتحكم القرارات وكيف يستخدم المال للبطش وإدارة اللعبة، بل كيف واليهود أقليه استطاعوا السيطرة على العالم بقوة الاقتصاد كما هو معروف، ولو أن الواقع يجيب أن هناك قوى غير المال يعرفها أرباب السياسة منها الاستخباراتي والتعليمي، لذا يقوم تصارع صغير ومؤثر في شبكات التواصل يقوده أصدقاء إسرائيل بأسماء عربية يشكلون طابورا خامسا وصوتا لهم، تكشفهم لك بعض تغريدات تويتر فهم كدولة اليهود المزعومة يتشدق بالسلام وهو لا يعرف سوى اللئوم واللئام وكأن الواحد منهم رهينة بين رهائن ولسان حاله يقول: أصبحتُ "بنيامينَ" صرتُ "شَلُومَها" بل فٍقْتُهُم بخصائصي إجراما ومن يتأمل في التاريخ يعرف أن تاريخ اليهود مع العرب كان من منطلق لعبة التفاوض والحوار في كل شؤون الحياة السياسية أو غيرها، بل هي في الحقيقة منطلقات من يقف بقوة ليشترط ويوقع ما يريده، ففلسطين بمنطق السيطرة حق يهودي والقدس عاصمته ولا يحق لغير عرب فلسطين زيارة القدس ولا الصلاة بمساجدها، فما زال اليوم مستوطنون وضباط مخابرات وشرطة يقتحمون المسجد الأقصى وتغلق أبوابه، فمنطق العزة بالإثم والبلطجة السياسية، والعنجهة كلها مكتسبات المساندة الأمريكية والتسليح النووي، وفي المقابل، بسبب التشردم العربي وخلق الصراعات العربية في المنطقة، ولو شئت فقل بسبب «التخاذل» ولا أدّل عليها ما يجنيه دوما شعب غزة وغيرها، ولو أن خنزيرا قتل لتحركت القوافل بمسيرات احتجاجية ولسمع العالم الحراك لمنظمات الحقوق بالحيوان، وهنا لعلي أذكر ما قاله أحد الاصدقاء المصريين من هوان إسرائيل «لو إحنا في شبرا دخلنا اسرائيل لفرمناهم في ساعة» ونسي صديقي الثائر أن الشعب المصري هو من يحاولون ان يفرم بأيدي ربما مصرية وأخرى عربية، والحقيقة أنك لو جلست في قهاوي القاهرة مثلا لسمعت عشرات العبارات، فاليهود ما زالوا بطمأنينية فملايين المسلمين لن يحركوا شيئا قرر بميزان القوة الذي تعرفه إسرائيل وحلفاؤها وتجار البراجماتية، ولعل من يقرأ ما يكتب ويذاع من المنظومة الصهيونية العالمية في مجلة «كيفونيم» قبل عشرين سنة وهي تقول : «مصر كونها القلب المركزي الفاعل في الشرق الأوسط قد ماتت ومصيرها التمزق بين المسلمين والأقباط، وهكذا في لبنان التي تخرج منهكة من الحروب الطائفية، والمجال أرحب في سوريا والعراق»، ولا أدل من ذلك إلا التأمل في مصطلح «الهلال الخصيب» لدول هي الآن رهينة بين رهائن. والحال اليوم شاهد على أن الحال أصعب في سوريا والعراق التي تريد إسرائيل أن تجعل منها الأذرعة والسياط التي بضعفها وتفرقها وإنهاكها تضرب إسرائيل وتخطط لتبقى لها الأمن والسيادة، وما خلفّته أخيرا صراعات الخريف العربي ليس إلا جزءا من أداة اللعبة التي تجيد إسرائيل ودول البطش والنفوذ ضبطها والتحكم فيها، وما سبق تشخيصه ووصفه تعرفه الطبقات السياسية والمثقفة. إن الأزمات الحالية في وطننا العربي، والمشكلات الاقتصادية التي تمر عليها، والتقاطعات السياسية والمصلحية صعبة ويمكن إيجاد متنفس للحل، ولكن الأصعب هو اتساع مجرى نهر الفساد واتساع الأزمات الداخلية والتي هي محط أنظار العدو والتي يجد فيها متسعا للتمدد، فالهدف الخفي هو أن يستمر مسلسل التشرذم الداخلي وتضعف مناعة الجبهة الداخلية التي يجد الإرهاب والفساد والمصالح الشخصية مرتعا خصبا للنمو خلالها، وبعدها تصبح الهوية غائبة، والشعور الوطني مبعثرا والدخلاء «كثر»، ولو نظرنا بتأمل في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» لأدركنا أن خلق شبح التخاذل، والرضا بالغثائية لو استمر المسيطر فبوابات الهزيمة ستبقى مشرعة. وفي المقابل يجب أن يستمر الوعي في الأجيال القادمة بضرورة السباق التقني والاقتصادي وتعلم فنون الاستثمار المعرفي والإدخار كون القوة الاقتصادية المشتركة من صمامات الأمن والأمان في ظل التربص الدخيل، وما لغة بعض الخطباء بضرورة الزهد والابتعاد عن الدنيا إلا لغة من لم يفقه في الدين، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، وحقيقة الزهد ليست معنى مقابلا للفقر والتبذل والاستكانة، بل هي معنى راق يفهم الأجيال أن الزهد لا يتعارض مع كسب المال واتخاذه قوة بل هو ألا يكون المال في القلب بل في اليد، وأن اليد العليا خير من السفلى، بعكس من تخلق بخلق اليهود فجعله في القلب واستخدمه كأداة للبطش والأنانية، فالأخد بأسباب القوة مطلب، وفهم أن الايدلوجيات السياسية ليست هي وحدها بوابة الولوج لعالم الاستاذية العالمية، وما من درس مستمر يحرص عليه في التعامل مع قوى البطش سوى دراسة وتحليل نقاط القوة والضعف دائما، وأزعم أن نقاط القوة أكثر لو استثمرت.