من الواضح أن الغرب تتقدمه أمريكا، وسط دوامة العنف والاحتراب في منطقة الشرق الأوسط قد اختار التحالف مع الإرهاب (المنضبط) في مواجهة ضد الخطر الداهم القادم من الإرهاب (غير المنضبط). هذا الخيار الاستراتيجي من أهم ما آلت إليه شبكة العلاقات الدولية في الشرق الأوسط في ظل سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للمنطقة التي تتلخص تحديداً في فكرة عدم الانخراط المباشر للقوات الأمريكية في صراعات الشرق الأوسط بل التعويل على قوى محلية يمكن التحالف معها ودعمها. و قد لا يلزمنا كثير عناء لتبيان القصد من عبارة الإرهاب غير المنضبط فهو يتجلى في التنظيمات الجهادية مثل داعش والقاعدة وإفرازاتهما مثل بوكو حرام والشباب الإسلامي في الصومال التي لا يمكن التنبؤ بما ستفعل أو من ستنحر من ضحايا في المرة القادمة فالجميع أعداؤها من مختلف الجنسيات والمذاهب والديانات. هذه التنظيمات تنظيمات عدمية، لا تستخدم العنف من اجل تحقيق هدف سياسي محدد، بل تستخدم العنف والمفرط منه من أجل العنف ذاته، وإذا أحسنا الظن فمن أجل أهداف طوباوية مستحيلة التحقق كإعادة الخلافة مثلاً. ويمكن أن نضرب مثالا بهذا النوع غير المنضبط بجريمة شارلي أيبدو الفرنسية وشاطئ سوسة بتونس وغيرهما كثير. ويصلح الاتفاق النووي الإيراني المنعقد أخيرا بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بوابة لنلج منها إلى تبيان القصد من الإرهاب المنضبط إن صح التعبير. فالمعروف بالضرورة أن إيران مصنفة كدولة داعمة للإرهاب لدى الأمريكان، وهي ثالث ثلاث دول مع سوريا وكوريا الشمالية كمحور الشر، أما اذرعها السياسية والعسكرية في المنطقة فبعضها مصنف كمنظمات إرهابية في بعض دوله والبعض الآخر المنبثق أخيراً بعد الغزو الأمريكي للعراق ينظر له بعين الشك من قبل الدول الغربية. لكن هذا الإرهاب المنضبط يختلف في خططه واستراتيجياته وطبيعته عن نظيره غير المنضبط. فهو وإن كان يتبنى العنف إلا أن له أهدافا سياسية محددة، كما أن أتباعه وأذرعه المنتشرة في المنطقة ليست اذرعاً ذاتية الحركة تفعل ما يحلو لها، بل هي ملتزمة بمواقف المركز، في إيران غالباً، لدى أي قرار للعنف أو العمليات العسكرية التي تقوم بها. مثلاً، الحشد الشعبي العراقي المكون من الطيف الشيعي والذي تكوّن إثر فتوى الجهاد الكفائي للمرجع السيستاني انسحب فوراً من الصفوف الأمامية لمدينة تكريت حين صدرت له الأوامر من مرجعيته السياسية بعد اشتراط أمريكا انسحابه للمساعدة في تحرير المدينة. الإرهاب غير المنضبط يجمع بين العنف المفرط والمقزز في الوقت نفسه. ويرتكب كل ما يغضب الله باسم الله. ولا يمكن التعامل معه إلا بالتصفية. من هنا ولأن لا صوت يعلو فوق صوت المواجهة معه في هذه الأيام اختارت الحكومات الغربية التعاون مع المنضبطين ضد إرهاب أكثر انفلاتا، سيما وأن نوعي الإرهاب في صراع بينهم. بقي أن نقول إن دكتاتوريات الشرق الأوسط يمكن أن تدخل ضمن مصطلح الإرهاب المنضبط.