لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ منْ شَيءٍ لأعْجَبَنِي سَعْيُ الفَتَى وهو مُخْبُوءٌ له القدَرُ يَسْعَى الفتى لأمورٍ لَيْسَ مُدْرِكها والنفسُ واحدةٌ والهمُّ منتشرُ والمرءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ لا تَنْتَهِي العَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني شاعرٌ جاهلي عريق لا يُنسى، من أسرة اشتهرت بالشعر، هجا النبي صلى الله عليه وسلم إبان ظهور الإسلام، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وخلع عليه بردته. تذكرت أبياته تلك حين أيقنت أنه لا يزال هناك بصيصٌ من أمل مهما ادلهمت الخطوب، ما دمنا نُوكل أمرنا لمن بيده مقاليد كل شيء سبحانه جلَّ في عُلاه، وإن فقدنا كل مَنْ حولنا في لحظة ضعفٍ بشري، فتلفتنا حولنا ولم نجد أحداً، وهم الذين كانوا ملْء السمع والبصر. قبل أيام ساقني الشوق إلى الحبيبة الأحساء لألتقي بأحبةٍ لي في مؤسسة رعاية الفتيات بعد أن وجَّهتُ لهن عبر جريدة اليوم رسالة حُب ضمن مقال الخميس الماضي، ووصلتني ابتساماتهن عبر الأثير فوددتُ لو رأيتها عَياناً لأنني بحق اشتقت لإطلالة الأمل التي لمحتها في أعينهن قبل أن تترجمها شفاههن علانية. أخواتي وبناتي الجميلات عُدن من جديد فحمَّلنني جميلاً أكبر، وأسرفن في إكرامي، ولن أبالغ حين أقول إنني تناولت من أيديهن ألذ «لقيمات» تناولتها في حياتي، واستمددت منهن طاقة إيجابية تفوق كل ما تلقيته فيما مضى في «جلسة حب» تمنيت ألا تنتهي أبداً. تحدثن إليَّ فأسرنني بنقائهن، وسطرن أحرفاً عذبة فأبكينني من الداخل بينما كنت أتماسك لأقول لهن: لا وقت لدينا للبكاء. «الأمل بالله» جميلةٌ تلت على مقربة منا أسطراً خطتها أناملها بعد أن نال منها المقال بُغيته فاستهلت بقولها «أوَّاهُ يا ليلى»، وأيُّ تعبير يفوق هذا حين يكون مصدره أعمق نقطة في القلب؟!! ثم استطردت قائلة: عندما قرأت كلماتك يا ليلى في عالمي المملوء بالخوف، والأسى، والانتظار الأليم عادت لي ثقتي فجأة بعد غياب شمس الشتاء.. أوَّاهُ يا ليلى،، هل تعرفين كم تُعاني فتاة العشرين؟ لا تُوقظي الجراح.. لا توقظي الآلام.. عاشت كلماتك في المكان، وفي إخوتي،، ونثرتِ دفء كلماتك في الزمان،، وفي دمي،، أوَّاهُ يا ليلى،، نسيتُ ما فعل الفراق بي،، فما يكون معكِ؟! تكون هجير وحرمان الصحراء واحة غنَّاء،، ويكون الظمأ ريّا، والشتاءُ دفئا،، أوَّاه يا ليلى،، مشت عيونك في همومنا،، وجعلتِ لنا من الضياع دربا،، شكراً ليلى,, ولا أعجب من جميل عطائك، فهي جميلة عيناك،، وابتسامتك كسماءٍ صافية أرى فيك وجه الأم الحنون والسيدة الحسناء،، فلتعلمي أنكِ تُقيمين في ذاكرة الجميع،، والجميع لامس فَرط أمومتك من خلال ابتسامتك واهتمامك،، وكلماتك شامخة تميزت بالعذوبة والبلاغة، فلا يُرى في غيرها شيءٌ جميل،، ولتعلمي أن كلماتك ستظلُّ المنارة، وشعلة الأمل والفرح والمضي إلى الأمام دوما،، ثم اختتمت الحبيبة بدعاءٍ يسرني أن تؤمِّنوا عليه: «اللهم اجعلنا عند حُسن ظنِّها وأفضل». وحبيبةٌ أخرى تحمل اسم جدتي الغالية- رحمها الله- خطت لي بحبر الفؤاد كلمات أثلجت صدري فقالت: لا أعلم ماذا أقول وأنا أمام كاتبة تخط من محبرة الإبداع والحب سطورها، وتُنشد بحروفها سمفونية عذبة لا تُمل،، فكيف للقارئ أن يمل وفي أغلب سطورها أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وفي مطلعها أبياتٌ من أعذب قصائد الشعراء،، أقول على لساني ولسان أخواتي الفتيات: إننا أحببناكِ، ودخلتِ قلوبنا بلا جواز عبور،، فبابتسامتك وجمال مُحيَّاكِ أوقدتِ في دواخلنا قناديل الأمل «إن في المجتمع هناك مَنْ لا يزال يُقابلنا بالقبول، بلا ازدراء أو قنوط،، ما زال هناك مَنْ يلتمس لنا الأعذار، ويطوي وراءنا سجل الزلل»،، لك الحب والتقدير ما حيينا،، بحق لم أكن أعلم حين كتبت رواية «ويلاهُ إن نظرت» التي قرأتها في أعينهن أنها ستبلغ منهن هذا المبلغ، ولا أملك إلا أن أصمت في حضرة «القلوب البيضاء»، فاعذروني لأنني سأترك لكم حرية الحديث بعد أن وضعت «عشر زهرات يانعات» أمانة لديكم،، ولن أزيد. قبل الوداع: سألتني: ألا يزال هناك مُتسعٌ للابتسامة في عالم اليوم؟ فقلت: ما دامت الشمس تُشرق كل يومٍ بعد ليلٍ حالك، والصبحُ يتنفس بعد ظلامٍ دامس، ستبقى الابتسامة تُضيء مُحيَّانا، وبذكر الله تلهج ألسنتنا، وستبقى ثقتنا بالخالق الحكيم لا تتزعزع ولو قيد أنملة.. وفي ذلك يقول أمير الشعراء: لا رَيبَ أَنَّ خُطا الآمالِ واسِعَةٌ وَأَنَّ لَيلَ سُراها صُبحُهُ اِقتَرَبا