اكتشاف المواهب الرياضية عن طريق المدارس في البيئة الخليجية عموما والمملكة على وجه الخصوص جدلية قائمة ما بين التنظير والواقع. وقد أعادني تصريح الأمير نواف بن محمد عضو الاتحاد الدولي لألعاب القوى لوكالة الأنباء الفرنسية الذي نشر يوم أمس في صحفنا المحلية لتلك الجدلية القائمة. فالمنطق الرياضي في العالم كله هو أن تكون المدرسة محطة الاكتشاف لأنها اللبنة الأولى لتفتح الموهبة – إن وجدت – وهناك الكثير من قصص الأبطال كتبوا أحرفهم الأولى في المدارس وعانقوا الذهب وسجلوا أسماءهم في سجلات التاريخ. ولكن في الدول المتقدمة تكون الرياضة المدرسية واقعا وليس تنظيرا يكتفي بترتيب الحبر على الورق، أو بمشاريع تنتهي قبل أن تبدأ، أو ببطولات أشبه بالعرجاء التي تسقط وتنهض دون أن تجد لها الحلول أو آلية للتطوير. المدرسة في الغرب هي منهج حياة للفكر والتجربة والرياضة بالممارسة العملية، والبيئة المدرسية بإمكاناتها الرياضية من ملاعب ومختصين تساعدهم على تحويل النظرية في الاكتشاف لواقع، لاسيما أن هناك برامج عملية وواقعية تسهم في تحقيق أهدافهم في عملية اكتشاف المواهب، بل وتحديد موهبته في أي لعبة وتوجيه لممارستها حسب بنيته الجسمانية ومهارته. كل تلك العوامل والإمكانات غير متوفرة في مدرستنا المحلية، وهذا واقعنا وان وجد خلاف ذلك فهو استثناء وليس قاعدة. لذلك من الأفضل استعادة تجربة المراكز الرياضية المناطقية والتي نجحت بدرجة امتياز في حقبة الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي وأفرزت نجوم وأبطال الألعاب المختلفة والفردية. وهذه المراكز تجربة ناجحة أيضا في دول ما يسمى شرق أوروبا سابقا (الشيوعية) والتي تميزت في الألعاب المختلفة والفردية وحاليا هي العنوان الأبرز في الصين وروسيا. من شأن انتشار المراكز التدريبية في مختلف المناطق، ان تسهم بشكل كبير في تفريخ المواهب لاعدادهم لكي يكونوا ابطالاً للمستقبل، وليس بالضرورة ان تكون هذه مقتصرة على المدن الرئيسة، بل الأهم هو تواجدها في القرى والهجر المترامية الأطراف حتى نوفر الوقت والجهد على مواهب المستقبل. هناك بعض النماذج مطبقة في بعض الدول العربية منها القرى الاولمبية التي تكون مجهزة بكافة المتطلبات لاقامة المعسكرات والتدريب، وايضاً هناك المدارس الرياضية التي تتبنى النشء من الالف للياء، فهذا ما ينبغي ان يكون توجهنا في المستقبل بدلاً من الصرف ببذخ على الاكاديميات والمدارس الكروية التي لا طائل منها سوى تحقيق المكاسب المادية.