العالم العربي والدولي يراقب باهتمام الحركة التي وصفت بالإصلاحية التي بدأها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. الحقيقة فإن جميع المواطنين العرب وجميع الدول العربية ستبادر لتدعم أي مشروع إصلاحي في العراق الذي تمزقه الاستقطابات والتدخلات الخارجية والفساد والقوى الميليشية سواء تلك التي تتصادق مع حكومة العبادي مثل عشرات الميلشيات التي تعمل بحرية في العراق بعنوان الحشد الشعبي، أو الميليشيات التي تعادي الشعوب العربية مثل منظمتي داعش والقاعدة. وفي الوقت الذي يبتهج العرب لإجراء إصلاحات في أي بلد عربي وفي العراق بالذات، فإنه يتعين أن تكون الإصلاحات حقيقية وتعترف بأسباب المشكلات، والأزمات، لضمان نجاحها، وكي لا تتحول إلى مجرد عناوين وخطابات في المنابر وتصريحات تلفزيونية. المشكلة الحقيقية - وهي جذر كل المشاكل في العراق - تكمن في التدخل الإيراني الخطير والمتفشي في أوصال الدولة العراقية، إلى درجة أن الضباط الإيرانيين هم الذين يقودون الميليشيات العراقية ويتمتعون بسلطة دولة في العراق. وإيران ليست جمعية خيرية، ونظام طهران يعمل لتحقيق مصالح الدولة الإيرانية، تحت عناوين براقة دينية ومذهبية. وتدخل إيران في العراق أدى إلى كل المشاكل التي يعاني منها العراق، بما فيها منع إيران الحكومات العراقية من إجراء مصالحة وطنية عراقية حقيقية، لأن المصالحة الوطنية العراقية الحقيقية سوف تكون على حساب تدخل إيران في العراق. ولو لم تتدخل إيران ولو لم تستقر أصابعها في العراق لما تمكنت من العبث بسيادة العراق، والصراع الطائفي والحرب الأهلية الطائفية بين مكونات المجتمع العراقي، هي أداة إيران للتمكن من العراق، بل ورسخت طهران هذه الحرب الطائفية على أنها هوية عراقية، بتوظيف مسئولين رفيعي المستوى مثل نوري المالكي، لتوسيع الشقوق وإهدار الإمكانات العراقية العسكرية والمالية والعلمية وحتى العلاقات الدولية لتوظف في الحرب الطائفية. والاحتراب الطائفي يولد مشاكل أخرى في العراق مثل الفساد وتغلغل الشبكات المرتبطة بإيران في عمق المجتمع والدولة العراقيين، حتى أن زعيم ميليشيا عراقية أعلن صراحة إنه سوف يدافع عن إيران إذا نشبت حرب بين العراقوإيران. وهذا الزعيم، رغم إعلان ولائه الصريح لإيران يقدم على أنه عراقي مخلص وكان نوري المالكي يضفي عليه الحصانة ويمنحه التبجيل والاحترام. والاحتراب الطائفي يؤدي إلى تأسيس ميليشيات بأعداد لا تحصى تحت عناوين طائفية، ولكنها في النهاية تمثل أصابع متعددة للتدخل الإيراني تمنع أي مصالحة وطنية عراقية. الاحتراب الطائفي أيضاً يؤدي إلى نشوء قوى مضادة مثل داعش وغيرها، مما يعني أن العراق سوف يستمر ميداناً للحروب والاضطرابات ما دام أن إيران ورجالها يعطون أولوية الحرية والنفوذ في العراق. ولن تثمر أية إصلاحات عن نتائج حقيقية، ما دام أنها لن تقضي على الداء الحقيقي، فإقالة وزراء فاسدين لا يفيد ما دام أن طهران قادرة على جلب وزراء آخرين فاسدين وزعماء ميليشيات إلى الحكومة أو يضغط زعماء حزبيون تابعون لإيران على مشروعات رئيس الوزراء كي تتكيف مع مصالح طهران ورجالها. ويلاحظ أن نوري المالكي المتهم بالإهمال والفساد والتسبب في أكبر نكسة في تاريخ العراق الحديث، ويفترض أن يمثل أمام محكمة عراقية، يغادر العراق ليكون بحماية طهران ويشن من هناك اتهامات ويختلق أوهاماً دون أن يخشى أي عقاب عراقي. حينما تستقل الحكومة العراقية عن وصاية النظام الإيراني، يمكنها أن تفرض إصلاحات وتنجح.