في دراسة لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في استشارات الموارد البشرية، تبين أن الشركات في الشرق الأوسط تفشل في إعداد المهنيين بالمهارات اللازمة لتولي مناصب قيادية، وأن الشركات في المنطقة تكافح من أجل إبراز قادة المستقبل، ولكنها تفتقر إلى تحديد المواهب القوية الوطنية لعملية التعاقب القيادي، مما يعني استمرار الاعتماد على الوافدين لتولي الأدوار القيادية للسنوات القادمة، وكشفت الدراسة أن 62% من كبار المسؤولين التنفيذيين يقضون 10% أو أقل من وقتهم في تطوير القيادات الحالية والمستقبلية. هذه الدراسة تمثل واقعا حقيقيا لدينا سواء كان ذلك في القطاع الخاص أو الحكومي، ففي أي منظمة لا يمكن أن يكون رأسها سواء كان مديراً أو رئيساً أو وزيراً هو المفتاح الوحيد لنجاحها وتحقيق الأهداف أو تطوير تلك المنظمة، وأثبتت العديد من الدراسات والتجارب على أرض الواقع أن نجاح أي منظمة يتعلق دائماً بنجاح الصفين الثاني والثالث فيها. في هذا المقال سأشخص من وجهة نظري أسباب «عدم نجاح» وزاراتنا في إعداد برامج تعاقب قيادي داخلي فيها، بالرغم من وجود الموارد المالية التي لها دور كبير وأساسي في تأسيس هذه البرامج، والسبب الرئيسي يكمن في تأخرنا في تطبيق ممارسات الموارد البشرية عملياً وعلمياً في المملكة وتجاهل أهميتها وتأثيرها. في «أغلب» وزاراتنا نجد أن تحركات الصفوف الثانية والثالثة والرابعة يكون أشبه بالمستحيل لأسباب عديدة، من أهمها عدم الجاهزية للترقيات والانتقال إلى مناصب أعلى أو بشكل أفقي في الهيكل التنظيمي للوزارة، وهذا الواقع يعكس دورا كبيرا في عدم وجود تطوير حقيقي في الوزارة بسبب غياب الدور الفعلي لشاغلي تلك الصفوف، وذلك يؤدي إلى قتل الإبداع في الصفوف التالية، مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين. وإضافة لذلك ما زلت أرى أننا في الوقت الحالي نحتاج لتخفيض سن التقاعد أكثر من أي وقت مضى لتجديد الدماء ومنح فرص أوسع للقيادات الشابة لتحقيق رؤية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتحويل العمل الحكومي إلى عمل مؤسسي لا تقل جودته عن أفضل الممارسات عالمياً. وجود مشروع لإعادة هيكلة تنظيم وزاراتنا أصبح مطلبا مهما في الوقت الحالي، وإعداد برنامج نموذجي لتنمية وبناء الكوادر في الصفوف الأولى في الوزارات من المفترض أن يكون على رأس اهتمامات وزير كل وزارة لأن المسألة ليست مسألة توظيف فقط لا غير، والمرحلة القادمة هي مرحلة بناء أذرع أساسية للاقتصاد السعودي «أحدها الكوادر البشرية» وعدم الاعتماد على ذراع واحد فقط وهو ذراع النفط. ختاماً: واقعنا يفتقر إلى وجود القيادات البديلة الجاهزة عند الحاجة إليها، وهذا الواقع له تأثير كبير في ضعف الأداء وتعثر الخطط والمشاريع مما يترتب عليه أثر أكبر على مستقبل الخطط التنموية، وهذه الحقيقة لا تعني أن نقف راضين عن هذا الحال، فالمرحلة القادمة يجب أن تكون بدايتها بانتشال بقايا التفكير الإداري القديم والذي يهتم بمبدأ «القادة والأتباع»، ثم العمل على توليد الفكر الجديد والذي يهتم في التطوير والإبداع.