حراك دبلوماسي كبير تشهده المنطقة، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، هذا الحراك له علاقة بمجموعة الأزمات الاقليمية التي تفرض نفسها على صناع القرار الاقليمي والعالمي، وعلى رأس هذا الحراك محاربة الارهاب والاجندات الخاصة لهذه التنظيمات المتطرفة، التي تعتمد على تغذيتها بالأموال والمعلومات والعتاد من دول اقليمية لها مشاريع مكشوفة في المنطقة. دول مجلس التعاون الخليجي، وقادة المجلس أظهروا قدرا كبيرا من التآلف والتوافق خلال الأعوام الأخيرة، لأن الارهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والمجتمعات، والاثارة الطائفية، التي تعصف بالأمن العربي تؤثر على الامن الخليجي باعتباره جزءا لا يتجزأ من هذا الأمن. وعليه كانت اللقاءات بين قادته في الآونة الآخيرة دليل تعافٍ للجسم الخليجي، ودليل قوة في وحدة الموقف من القضايا والازمات الاقليمية المختلفة. الزيارات المتبادلة والتنسيق السياسي والامني والتعاون العسكري، أكدت أن دول الخليج لديها القدرة والمبادرة على الفعل والتأثير في السياسة الاقليمية والدولية. ولعل الاجتماع التشاوري لدول المجلس الذي عقد في الرياض قبيل الذهاب الى قمة كامب ديفيد، كان واحدا من مؤشرات الاقتراب الاستراتيجي، في ظل ظروف دولية حادة لا تقبل الا معالم القوة والوحدة الناضجة سياسيا واستراتيجيا ، ولهذا كان الموقف الامريكي من الاتفاق النووي واضحا ويستجيب في بعض جوانبه لمتطلبات الامن الخليجي، وبخاصة حرمانه ايران من معالم القوة النووية وبضمانات دولية. إلا ان هذه الضمانات على أهميتها ليست كافية، لان سلوك الطرف الايراني ليس مبشرا، وسجلاته في حقوق الانسان ودعم الارهاب وتمويله وتزويده بالعتاد والسلاح والتدريب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، هو المقلق للمنطقة التي تتطلع لمواجهة الارهاب والتطرف والانتقال مجددا لخطط التنمية والتحديث والتطوير ، بدلا من إنفاق المليارات على الارهاب وأدواته في المنطقة. إن إزالة التوترات في المنطقة تحتاج لجرأة ايرانية، ففي السنوات الماضية كانت ايران مغرمة بالقيم الثورية والتدخلية وإنفاق الأموال وإهدار الثروات على تنظيمات متطرفة، وعلى أحزاب مسلحة ساهمت في مضاعفة حالة عدم الاستقرار الاقليمي، جعلت من ايران دولة غير مقبولة عربيا واقليميا ودوليا بفعل سياساتها تلك. إن المملكة ودول الخليج تتطلع لان تستعيد الدولة الايرانية مكانتها على حساب قيم الميليشيات والعصابات، وأن تكون عنصرا مساهما في الأمن والاستقرار بالمنطقة. غير أن هذا يستلزم موقفا ايرانيا واضحا من الأزمات الاقليمية وعدم التدخل في الشؤون العربية، وعدم استخدام الدين كأداة صراعية وطائفية لتنخر المشكلات في جسد الأمة، وتزيد ابتلاءات المنطقة، بحجة ممارسة النفوذ والبحث عن مشاريع وطموحات هي من الأحلام المقبورة. زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير دولة قطر والالتقاء بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأتي في اطار التنسيق المشترك، في ظل محاولة ايرانية للاتصال الدبلوماسي، وفي ظل حضور دبلوماسي امريكي وروسي في المنطقة. هذا اللقاء بقيادات دول التعاون الخليجي يؤسس لعوامل القوة الخليجية التي بدت ملامحها مع العهد السعودي الجديد ، الذي يعبر عن منهجية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - في تعزيز عوامل القوة الخليجية، وفي الاحترام المتبادل، وفي اعتبار ان الأمن والاستقرار الخليجي حالة واحدة لا تقبل الانفصال. دول الخليج والمملكة كانت على الدوام تتطلع لأمن واستقرار اقليمي، ومنظومة أمن اقليمي تحترم فيها خصوصيات الدول والمجتمعات، وعدم التدخل في الشؤون العربية وترك المشكلات للدول العربية لحل، بدلا من استخدامها وتوظيفها ومضاعفة اشتعالها. فهذا السلوك المنفر ودعم الارهاب من القاعدة والتمرد الحوثي وتنظيم داعش والاحزاب العسكرية وبث الفرقة الطائفية من أبرز الأسباب الرئيسة للموقف الخليجي الموحد من ايران، وأن على ايران الاجابة عن الاسئلة الخليجية والعربية تلك، اذا أرادت فعلا ان تكون دولة مسؤولة وطبيعية في المنطقة. إلا أن التجربة العملية لا تسعف ايران، فهي دولة تحتاج الى التأهيل وبناء الثقة المفقودة، ولسنوات طويلة لتنتصر على ذاتها أولا قبل أن تنتصر لعلاقة ايجابية وللمجتمع الدولي.