ما أجمل الذكريات وما أسعدها من لحظة عند تذكرها، الأماكن هي نفسها لم تتبدل، والزوايا غدت أطلالاً بعد عين، ولم يبق إلا الزمن كما هو لم يمض ولم يتقدم، يتوقف (ههنا) عندما تحن النفس لاستنشاق نفحات من ذلك الماضي الجميل. هي كل تلك المواقف والأحداث التي اختزلت في ذاكرة كلٍ منا ودون استثناء بحلوها ومرها، بعسرها ويسرها، عندما تُستدعى إما للبكاء أو للبهجة والسرور، وكأننا بحسرة وشوق نتلطف في طلبها، كي تعود إلينا من جديد ولو لفترة أو حين، لنواسي أنفسنا ونسعد بها أرواحنا. تلك اللحظات العابرة التي لا تتجاوز في أغلبها الدقائق، تنعشنا وتجعلنا سعداء وكأن الأمس البعيد أتى من جديد، وها نحن هنا وسطه وقد رجعت إلى الوراء من أعمارنا عشرات السنين. حينها مازلنا تحت كنف آبائنا وفي حضن أمهاتنا، بين احتواء القائد (الجد) وجنة الدنيا (الجدة)، لقد مضى ذاك الزمان إلى الأبد وسيظل خالداً في مكان ما في «حجرات القلب». لكن.. لماذا نستذكر الماضي ونشتاق إليه؟ يقول المثل الروسي «التحسر على الماضي كالركض وراء الريح»، والمغزى عدم جدوى النظر إلى ما قد سلف لعدم قدرتنا على استرداده أو تغييره أو تبديله، وهذا أمر مؤكد. لكن هناك أمرا مهما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، بأن يُنظر إلى الماضي على أنه مرجع كالأرشيف وليس عائقا للتقدم مهما كانت نتائجه، بالاستفادة من التجارب السابقة سواءً أكانت شخصية أم عبر ما نقله إلينا الأجداد وكبار السن من خبرات وقصص ومواعظ. والتي ستكون بدورها لبنة أساسية وقاعدة قوية لمواجهة التحديات المستقبلية في مسيرتنا، وإلا سوف تتكرر تارة أخرى كل محاولات الفشل أو عدم التوفيق والنجاح «إن عاودنا المحاولة بنفس الطريقة والتفكير». إن التفاؤل والحماسة ومواجهة التحديات هي الأدوات التي يجب التسلح بها لمواجهة المستقبل. كما أن النظرة الإيجابية والتطلع إلى الغد من منظور «نصف الكأس الممتلئة»، ورسم خطة وهدف مستقبلي؛ قريب الأمد ممكن تحقيقه وتنفيذه، وبعيد مستقبلي تحلم وتسعى إليه، من أهم الأمور التي تبعث الأمل في الحياة وتجعل حياتنا متجددة باستمرار. والإنسان دون هدف دائماً ما يكون عُرضة لتأثير الأفكار والأهواء التي في الغالب ما تكون سوداوية وسلبية وبعيدة عن أسباب النجاح والتطور. الإنجاز لبلوغ الهدف يتطلب إرادة قوية وقدرة على مواصلة العمل بوتيرة الراغب لاجتياز خط النهاية، والمحاولة المنفردة عادة لا تساعد في المرور من المرحلة الأولى في طريق النجاح. «اعمل بجد ولا تستسلم».