ما الرابط بين تصريحات نوري المالكي الأخيرة وتداخلها مع المستقبل السياسي للأمن القومي العربي للمملكة وتحريضه عليه، وبين استذكار الشعب الكويتي لحادثة 1984 من خلال جريمة اختطاف طائرة الجابرية الكويتية والتي أطلقت الجزائر سراح منفذيها بالتنسيق مع إيران راعية العملية، بعد 16 يوما من الرعب للركاب وتصفية الشهيدين خالد أيوب وعبدالله الخالدي على أساس طائفي حقير، وإلقاء جثمانه بوحشية وحقد من بوابة الطائرة. مشهد الجابرية برز خلال هذه الفترة اثر ردة الفعل الوطنية الكويتية على احتفاء الكادر الحركي الشيعي عبدالحميد دشتي بمنفذي العملية من جديد، وهي عملية احتفاء سبقت موقف دشتي ومارسها التنظيم الشيعي الحركي الموالي لإيران في الكويت وفي منطقة الخليج العربي مراراً، وهنا تبرز قضية خطيرة مهمة هي أحد أركان مسببات الفوضى الطائفية والعنف الأحمق كالذي تمارسه داعش، إثر هيمنة حروب ايران على المنطقة وأبعاد حراك تنظيماتها التي شحنت المنطقة بالتقسيم الطائفي، وتجنيد بعض الشباب الشيعي له، وهو ما صنع فجوة كبرى في مجتمعات الخليج العربي بين الطائفتين، لم تكن حاضرة قبل ثورة ايران، وإن وجد خطاب الغلو المتطرف المنسوب لمصادر سنية قبل ذلك بمئات السنين. دعونا نعود لبعض التفصيل المهم، والتذكير ببعض التسلسل المنهجي، الذي غُفل عنه واستغلت تنظيمات إيران الحركية التوتر بين دول الخليج العربي وتيارات إسلامية سنية سلمية، بغض النطر عن اخطائها، لتعود بخطابها وتجنيدها لتحالفاتها الغربية، تزامنا مع الاتفاق التاريخي بين الغرب وإيران، ووجبة الزحف المتوقعة للخليج العربي. وهي تقاطعات ظرفية ليست صدفة، بل تنسيقات ضمنية بين الأب الروحي الإيراني لكل فروع التنظيمات الحركية التي أُعيد بناؤها أيدلوجيا بعد الثورة، من لبنان الى البحرين، وبين مسار التفاوض الغربي المتوجه لعودة الشرطي الإقليمي والاستعداد لخرائط المنطقة الكبرى ومفاجآت احداثها، لتكون عمامة ولي الفقيه البديل عن تاج الشاه، فيما تبقى آثار استراتيجية إيران الكبرى التي غازلها أوباما ساخرا من العرب السُنة، لتحكم مسارات الصفقة الكبرى في الخليج العربي. نوري المالكي في إرثه السياسي والثقافي كان عضواً في تنظيم إيران الحركي في العراق، وكان لهذا التنظيم عدة اضلاع من ضمنها حزب الدعوة، الذي انشق في تشكيلات مختلفة لكن بقيت مفاتيحه عند إيران، وتحديدا لدى علي أكبر محتشمي، رئيس المجلس الاعلى لتصدير الثورة الإيرانية في حينها، والتي ضمّت دولا عدة يتواجد فيها أبناء الطائفية الشيعية، ويستقطب عددا منهم في الحوزات ثم يعاد توظيف بعضهم سياسيا، وليس فقط في نماذج الفقه التديني الصرف. والكثير يجهل أن قبل بدء الحرب العراقيةالإيرانية نفذ حزب الدعوة عمليات عسكرية في الشارع الوطني العام في العراق، وأن مشروع ما سموه بتحرير العراق القديم بعد الثورة قبل ان تتبناه واشنطن، كان واضحاً في هذا المسار والهدف، وكانت التعبئة له من أعلى سلطة وهي آية الله الخميني، ولولا انتصار الجيش العراقي في معركة الفاو التاريخية، والتي اضطر بعدها الزعيم الإيراني لتجرع السم لوقف القتال كما قال نصاً، لاستكملت جنوبا، عملية التحرير الطائفي في عقلية جمهورية ولي الفقيه الإيراني. هذا النسج للتنظيمات الحركية استمر على هذا المنوال، واستمرت تلك التنظيمات في كل دول المشرق العربي تخلق لذاتها ميدانا مستقلا عبر المظلومية الطائفية، وتكريس ثقافة التقسيم مجتمعيا، رغم هتافات الوحدة المنافقة، وتسببت في توتير واسع وشرخ بين المسلمين، وحوصرت كل دعوات الاعتدال الحقيقية من الشخصيات الشيعية بمن فيهم مقربون من إيران، كمحمد حسين فضل الله الذي كُفّر من مرجعيات إيران، لمطالبته بمراجعة النصوص التاريخية المحرضة على رموز السنة ولا يقوم عليها دليل. واحتكرت إيران قرار التأثير في هذه المنظومات وكانت كل تجارب العمل الوطني والاصلاحي في المشرق العربي، تُفاجأ في نهاية الامر بان مثقفي التنظيم الشيعي الحركي، يُصرون على قالب الطائفية والتقاطع مع الموقف الغربي لمشروع الأقليات، المنفصل عن الجسم الوطني السياسي لدول المشرق العربي. والتغيّر الميداني الذي طرأ من 1996 تقريبا، هو سحب قرار العمل العسكري داخل الخليج، وتم دمجه لاحقا مع بنيان إيران للميلشيات الميدانية كما جرى في العراقوسوريا، بعد استقطاب أعضاء من هذه التنظيمات من أفغانستان للخليج العربي، للمشاركة في حروبها في مواقع الصراع العسكري المباشر، في حين استمرت ذات القوى السياسية تخوض معركتها المدنية، عبر ذات القالب الطائفي والانتماء الروحي للثورة الطائفية في إيران، وان صعدت بعد ذلك اعمال مسلحة محدودة في مواقع من الخليج العربي. إن إشكالية الأزمة في منطقة الخليج العربي، ستستمر في ظل وجود هذه التشكيلات، والتي يُعزِّز حضورها غياب الردع الاستراتيجي، لمناطق تقدم إيران في سوريا واليمن والعراق، حيث إن رئيس حكومتها تحت الاحتلال وهو حيدر العبادي ليس أكثر من كادر حركي تماما كما هو المالكي. إن الرد على تقدم إيران يبرز عبر تنظيم الملفات الداخلية والخارجية ووحدة الموقف الوطني في بلدان الخليج العربي، وتغيير مواقف الاستنكار في مجلس التعاون الى حراك منهجي يضرب بالدبلوماسية الذكية والدعم التكتيكي والاستراتيجي خطوطها الخلفية، حينها ستعرف إيران مآلات الوصاية الدولية. كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي