النداء الذي وجهه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف إلى البلدان العربية، من فيينا، بعد توقيع الاتفاق الذي أنهى أزمة الملف النووي مع بلاده، وقال فيه إن بلاده تتطلع إلى علاقات صداقة وتعاون متين مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبقية البلدان العربية، ينطبق عليه المثل القائل: «أسمع كلامك أصدقك أشوف فعالك أتعجب». فالكلام عن مد يد الصداقة، مع دول الجوار وتعزيز علاقة التعاون معها، من أجل تعزيز دعائم الأمن والسلام بالمنطقة بأسرها، لا يمكن أن يكون صادقا، ما لم يتزامن مع تغيير إيران بشكل جذري لسياساتها، في البلدان العربية، والكف عن دعم الإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية. تمنينا من القلب أن يكون هذا النداء صادقا في توجهاته ونواياه، وأن يتزامن مع اتخاذ طهران قرارات حاسمة، تكف بموجبها عن التدخل في سورياولبنان، ودعم المتمردين في اليمن. وأن يكون لهذا النداء انعكاسه المباشر، على ما يجري في العراق الجريح. ليس ذلك فحسب، بل إن هذا النداء لن يكون صحيحا، ما دامت القيادة الإيرانية، وحلفاؤها في العراقولبنان واليمن يعملون ليل نهار، على توتير العلاقات، بين أبناء الشعب الواحد، في منطقة الخليج العربي. سلوك إيران العدواني الطويل تجاه المملكة ودول الخليج، وعملها المستمر على إضعاف منظومة الأمن القومي والوطني لبلدان الجوار، وتصعيدها للصراعات الطائفية في المنطقة بأسرها، يجعلنا نضع علامات استفهام كبيرة، على دوافع هذا النداء. طالما أن حكام طهران، لم يراعوا أصول حسن الجوار في علاقاتهم معنا. بإمكان حكام طهران إذا توافرت لهم النيات الصادقة، أن يفتحوا صفحة جديدة في علاقاتهم مع دول الجوار، وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، وأن يترجموا ذلك بخطوات عملية، تبدأ بإعادة الجزر الإماراتية الثلاث: أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. وأن تنسحب ميليشياتهم من العراقوسوريا، ويتوقفوا عن دعم النزعات التفتيتية والانفصالية، التي يقودها الحوثيون والرئيس المخلوع في اليمن. ويتوقفوا عن محاولات إحكام الهيمنة على المعابر الإستراتيجية العربية. لا يستطيع حكام طهران إقناعنا بتغيير سياساتهم تجاهنا، بما يعزز الأمن والسلام في المنطقة، ويقوي الثقة، ويعمل على تحسين أجواء التعاون والاحترام المتبادل، وهم يمضون بأقصى جهدهم، قدما في سباق تسلح مريب، معززين ترسانتهم العسكرية، بمختلف أسلحة الدمار الشامل. فليس لذلك من معنى، سوى ترهيب دول المنطقة، وتهديد أمنها الإقليمي. ولن يكون بإمكاننا، في كل ظل هذا السلوك العدواني، أخذ تصريحات وزير الخارجية الإيراني، مأخذ الجدية، خاصة وأنه يتزامن مع تخريب متعمد لاستقلال لبنان ووحدته، وخلق الشقاق بين أبنائه. نحن في انتظار ترجمة النداء الإيراني من الأقوال إلى الأفعال، وما لم يتحقق ذلك، فلن يكون للنداء الإيراني، أي معنى سوى الاستثمار الإعلامي الرخيص، وذلك ما لن ينطلي على أي عاقل من شعوب المنطقة. لقد أمضينا عقودا طويلة، ونحن نسمع مثل هذه المعزوفة المشروخة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي لم تغير من واقع علاقتنا المأزومة مع طهران شيئا. وفي مأثورنا الخالد «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».