يمثل المتطوعون الغربيون في تنظيم داعش والتنظيمات الجهادية الأخرى هاجساً مخيفاً بالنسبة لدولهم التي تخشى من عودتهم لما تمثله من تهديدات. ويعتقد أن تلك العناصر لديها من الحافز والتدريب ما يمكنها من تنفيذ عمليات إرهابية ضخمة داخل الدول التي يحملون جنسيتها؛ فمن ناحية هم يعتقدون أنهم ينصرون فكرهم الجهادي بعداء الغرب، ومن ناحية ينتقمون للهجمات التي تتعرض لها الجماعات المتشددة وعلى رأسها داعش. ويوضح تقرير بعنوان «عندما يعود الجهاديون لأوطانهم» للمحلل بريان مايكل جنكيز من مركز أبحاث راند الأمريكي انه لا يمكن بالضبط تحديد عدد المقاتلين الأجانب في سورياوالعراق، وان تشير تقديرات إلى أن العدد يتجاوز 15 ألف مقاتل، منهم 2000 مقاتل من دول غربية. وفي أكتوبر الماضي تم تحديد شخصية 20 أمريكياً، فيما تشير مصادر الاستخبارات الأمريكية إلى أن العدد يتجاوز المائة. وبإضافة من حاول الوصول لسورياوالعراق ولم يستطع، ومن ألقي القبض عليهم، ومن قتلوا في المعارك فإن تقديرات الأعداد تحتاج إلى مراجعة. ونفس الأمر ينطبق على المقاتلين من الدول الأوروبية. المتشددون الجدد تختلف الموجة الحالية من المقاتلين الباحثين عن الجهاد عن سابقاتها من ناحية مستوى اعتناقها الإيديولوجية الجهادية، وانجذابهم للعنف اللامحدود كحافز للتطوع. كان الغرض من الخروج إلى أفغانستان أو البوسنة لنصرة الإسلام ضد الغزو السوفيتي أو التطهير العرقي الصربي. إلا أن الأمر يختلف مثلاً بالنسبة لمن يتوجهون إلى سوريا حيث لم يعد الأمر مجرد اسقاط طاغية، بل تعداه إلى شن حرب على الغرب، وهو ما يتضح من رسائل المقاتلين الذين يبثونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب عملياتهم. ويرى المحللون أن الانضمام إلى جماعات جهادية تعدى كونه واجباً أو قناعة ايديولوجية بل أصبح تعبيراً عن رفض المجتمع المعاصر. وفي ظل الثقافة سريعة التغير قد يصل الأمر لكون الانتماء لتلك الجماعات صرعة شبابية. كما تختلف موجة المتشددين الحالية من حيث مستوى المهارات القتالية التي باتوا يكتسبونها والتي تؤهلهم للقيام بعمليات إرهابية موجعة. بالإضافة إلى خبرات ميدانية وقيادية تفتقر إليها الخطط الإرهابية التي تنفذها عناصر إرهابية نشأت في بلدانها. سيناريوهات الرعب هناك سيناريوهات عدة تم طرحها فيما يخص التهديدات التي يمثلها عناصر داعش العائدون لبلدانهم من سوريا أو العراق: ويعد سيناريو 11 سبتمبر هو الأكثر رعباً بأن تستمر مجموعة من العائدين لبلدانهم الغربية من الجبهة في التدريب وتلقى الدعم لتنفيذ عملية إرهابية موجعة في الغرب. وفي 2009 كلفت القاعدة مجموعة من الأمريكيين الذين تطوعوا للانضمام إلى طالبان بتنفيذ عملية إرهابية ضخمة في مترو أنفاق نيويورك، وتم تزويدهم بالأسلحة والتدريب على صنع القنابل المدمرة. ولكن تم كشف المجموعة بعد عودتهم إلى الولاياتالمتحدة. وثاني السيناريوهات يتمثل في تكليف شخص أو اثنين بحد أقصى من عناصر داعش العائدة إلى بلادها بتنفيذ عملية انتحارية في دولة غربية. وقد تم رفع حالة الاستنفار في مجال الطيران تحسباً لمثل هذا السيناريو لا سيما أن عناصر أجنبية قامت بالفعل بعمليات انتحارية في سورياوالعراق. وعلى سبيل المثال في مايو 2014 قام أمريكي بعملية انتحارية في سوريا باسم جبهة النصرة. ورغم أن العملية استهدفت أهدافاً سورية إلا أن القلق يساور الدول الغربية في ضوء ان جبهة النصرة تركز على الأهداف المحلية، في حين أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة لا تزال تضع تنفيذ عمليات على أراضي الدول الغربية ضمن اهتماماتها المتقدمة. وتجدر الإشارة إلى أن جماعة خراسان التي أوفدها تنظيم القاعدة إلى سوريا كان من أهم مهامها تجنيد وتدريب عناصر من الدول الغربية وإعدادهم لتنفيذ عمليات إرهابية استراتيجية كبرى ضد اهداف غربية. حادث لندن ويشبه السيناريو الثالث حادث تفجير لندن الانتحاري في السابع من يوليو 2005 الذي راح ضحيته 52 وأصيب 700. وتبين أن واحداً على الأقل من المنفذين الأربعة تلقى تدريباً في باكستان. وفي ذات السياق تخشى بريطانيا أن يخطط العائدون من سورياوالعراق والبالغ عددهم 50 حتى الآن هجمات إرهابية مماثلة. ويختلف هذا النمط من العمليات عن سابقه في أن الانتحاريين لا يتم تجهيزهم للعملية من قبل مدربيهم بل ان واحداً منهم كان مكلفاً بالتخطيط والإعداد والتدريب. إطلاق نار عشوائي ويعتبر السيناريو الرابع هو الأكثر قابلية للتنفيذ وفيه يقوم أفراد بهجمات محدودة المستوى التخطيطي والتنفيذي كإطلاق نار عشوائي على المدنيين، أو الهجوم على عناصر شرطية، وما إلى ذلك. ولا يعدم هذا النوع من العمليات الأسلحة فإن لم تتوفر أسلحة نارية يتم استخدام السيارات في دهس الأهداف المرصودة، أو الضرب بفأس كما حدث في موجة الاعتداءات التي شهدتها كندا مؤخراً وإن كان الفاعل إرهابيين محليين، وليسوا من العناصر العائدة من سوريا أو العراق. والسيناريو الأخير أن يتسلل المقاتلون إلى بلدانهم، ويحاولوا الاختباء والنأي عن المشاركة في أية عمليات انتحارية. ويوضح التقرير أن خطورة العائدين من الجماعات المتشددة في الشرق الأوسط لا تكمن في مدى استعدادهم لتنفيذ عمليات على أراضيهم من عدمه. بل إن المأزق يكمن في أنهم يعاملون كمحاربين لهم مصداقيتهم في الشارع، مما يسهل تأثيرهم على غيرهم لتجنيد مقاتلين جدد إلى الشرق الأوسط، كما سيتجمع حولهم المنتمون لجماعات مقاربة لهم فكرياً. إحصاءات التجربة الأمريكية تشير الإحصاءات إلى أن 70% من المشتبه في انتمائهم لجماعات متشددة في الولاياتالمتحدة يحملون الجنسية الأمريكية، ومنهم عدد كبير مولود على الأراضي الأمريكية. وهذا يقلل من فرضية أن الإرهاب مشكلة يجلبها دوماً المهاجرون. وفي إطار متصل وجد أن 21% من الأمريكيين الذين غادروا بلادهم للالتحاق بالجماعات الجهادية اعتنقوا الإسلام منذ فترات متباينة. وتزداد هذه النسبة في حالة سوريا حيث إن 50% من الأمريكيين الذين غادروا إلى سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية كانوا من المتحولين إلى الإسلام. وتعتبر سوريا هي الجبهة الأكثر إقبالاً من الشباب الأمريكي، حيث تزداد أعداد المتجهين إلى سوريا بصورة ملحوظة منذ 2012. وتأتي باكستان على رأس قائمة الدول التي يقصدها الباحثون عن الجهاد من الأمريكيين، وتليها الصومال. وقد مرت هذه المحطات بتحولات بمرور السنوات؛ حتى 2001 كانت أفغانستان هي المقصد الرئيس. وتغير الحال بعد الإطاحة بحكومة طالبان، وتحولت قبلة الجهاديين إلى باكستان. وكانت الأحداث التي شهدتها الصومال في 2007 و2008 ملهمة لهم للتوجه إلى الصومال، إلا أن هذا التركيز قل تدريجياً في العام التالي. وباشتعال الأوضاع في سوريا في 2012 أصبحت مقصداً جديداً مغرياً خصوصاً مع تعقيدات الوضع هناك ازدادت الأعداد بصورة أكبر في 2013 ثم في 2014. ويعتبر تنظيم القاعدة المقصد الأكثر شيوعاً بين صفوف الأمريكيين الراغبين في الانخراط في الجماعات الجهادية. تليه حركة الشباب الصومالية. إلا أن ظهور تنظيم داعش يغير من هذه الميول حيث إن تنامي معدلات الانضمام إلى التنظيم بات ملفتاً. ويوضح التقرير أن غالبية الأمريكيين الذين حاولوا الخروج للانضمام لتنظيم متشدد تم القبض عليهم قبل أن يبلغوا غايتهم. فيما عاد 40% ممن تمكنوا من مواصلة رحلتهم إلى البلاد إلا أنه ألقي القبض عليهم جميعاً. ويميز بعض المحللين بين الشباب الذي خرج من بلاده للتدريب والعودة مجدداً، وبين هؤلاء الذين ذهبوا للقتال. ومن بين الأمريكيين الذين توجهوا لساحات القتال 82% كان هدفهم هو القتال، بينما 30% تلقوا تدريبات فقط دون الاشتراك في أية معارك. وتم القبض على عدد من العائدين إلى الولاياتالمتحدة والبالغ عددهم 33، الا أن 9 منهم أدينوا بالاشتراك في التخطيط لعمليات إرهابية داخل أمريكا بعد عودتهم إليها لتكون بمثابة الموجة الثانية من الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر. التجربة الأوروبية وبالنسبة للتجربة الأوروبية في التعاطي مع ملف العائدين من سوريا، فيتراوح عدد المقاتلين الأوربيين في سوريا بين بضع مئات إلى بضعة آلاف، قدم أكثرهم من بريطانيا بمعدل 18% تليها فرنسا، وألمانيا، والسويد، وبلجيكا. وتشير تقارير أخرى إلى ان فرنسا هي الدولة التي خرج منها أكبر عدد من الشباب الراغبين في الالتحاق بجماعات جهادية في سوريا. والتحق 55% من البريطانيين المتوجهين إلى سوريا بتنظيم داعش، مقابل 15% لجبهة النصرة. وتتشابه التجربة الألمانية حيث يقدر عدد الخارجين منها لأرض المعارك بحوالي400 ألماني قتل منهم 40، وعاد 100 إلى ألمانيا. 25% من بين هؤلاء لديهم تجارب قتالية بينما غالبية العدد تواجدوا بغرض توصيل المساعدات الإنسانية، أو لتقديم يد العون للفصائل الأخرى. إحكام الخناق ويوصي التقرير باتخاذ إجراءات من شأنها الحد من تهديد الجهاديين الغربيين. أولها تشديد الإجراءات على الشباب الراغبين في السفر إلى المناطق المشتعلة. وكذلك إصدار تشريعات تجرم الانضمام لجماعات جهادية، وتتيح سحب جوازات سفر من يثبت تورطه مع تلك الجماعات. كما يجب التعاون مع دول الجوار لسورياوالعراق لتشديد الإجراءات على الراغبين في دخول البلدين، أو المتسللين لهما. وكذلك الحال بالنسبة للعناصر التي تسعى للعودة لبلدانها من خلال دول الجوار. إلا أن محللين يرون ان الحل الجذري بتكثيف الهجوم على تنظيم داعش هو الحل الذي لا ينهي تلك الأزمة، لأن الإجراءات المقترحة لن تستطيع إغلاق الباب أمام تهديدات العائدين من مناطق الصراع. ويتطلب الأمر مواجهات مباشرة مع التنظيم من خلال قوات خاصة مدربة، وعمل استخباراتي منظم حتى يؤتي الأمر ثماره. حملة عسكرية ولكن المعارضين للحملة العسكرية على التنظيم يرون ان الضربات الجوية لن تكون إلا استفزازاً للجماعات الجهادية، ومبرراً لانتقامها من خلال تنفيذ عمليات إرهابية على أراضي الدول المشاركة في الهجوم على التنظيم. وقد لا يقتصر الأمر فقط على داعش، إذ أن جماعات أخرى قد ترى في الأمر ذريعة لشن هجمات في أراضي الدول الغربية رداً لما تعتبره هجوما على الإسلام وليس على تنظيم جهادي.