نواصل الحديث عن دور الشركات في تحقيق النمو الاقتصادي، ودفع عجلة الإنتاج، وحديثنا اليوم عن النوع الثالث من شركات الأشخاص، وهي شركة المحاصة التي نص عليها نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385ه ونظم أحكامها. وقد عرفت المادة 40 من نظام الشركات شركة المحاصة بأنها: «الشركة التي تستتر عن الغير ولا تتمتع بشخصية اعتبارية ولا تخضع لإجراءات الشهر». ويفهم من هذا أن شركة المحاصة ليس لها وجود على أرض الواقع إلا بين الشركاء، حيث تقوم هذه الشركة بين شريكين أو أكثر بغرض أداء عمل تجاري أو أكثر، بواسطة أحد الشركاء وباسمه الخاص، شريطة أن يتم تقسيم الأرباح والخسائر بين جميع الشركاء. ولا يكتسب الشريك المحاص صفة التاجر بسبب انضمامه للشركة، وإنما يكتسب هذه الصفة عند قيامه بمزاولة الأنشطة والأعمال التجارية بنفسه. ومن التطبيقات العملية لشركة المحاصة الاتفاق الذي يحدث بين تاجرين أو أكثر بغرض شراء كمية من البضائع للاتجار فيها، على أن يتم توزيع الأرباح والخسائر فيما بينهم. ومن ذلك أيضا اتفاق شخصين أو أكثر على شراء سيارات مستعملة أو متعطلة والقيام بصيانتها وإعادة بيعها من جديد، على أن يتم توزيع الأرباح فيما بينهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ويصعب حصرها. وجدير بالذكر أن صفة الاستتار هي أهم ما يميز شركة المحاصة عن غيرها، والشركة لا تتخذ لها عنواناً وليس لها وجود أمام الغير، أما في حالة قيام الشركة باتخاذ عنوان لها وتعاقد الشركاء أو أحدهما مع الغير عن طريق هذا العنوان، فإن الشركة في هذه الحالة تفقد صفة الاستتار وتتحول إلى شركة تضامن، وتصبح مسئولية الشركاء المحاصين مسئولية تضامنية تجاه الغير عن كافة الالتزامات والديون الناتجة عن الشركة، وبالتالي يحق لدائني الشركة الرجوع على الشركاء في ذمتهم المالية الخاصة واستيفاء حقوقهم منها، وذلك وفقاً لما ورد في نص المادة 46 من نظام الشركات التي جاء فيها ما نصه: «ليس للغير حق الرجوع إلا على الشريك الذي تعامل معه، وإذا صدر من الشركاء عمل يكشف للغير عن وجود الشركة، جاز اعتبارها بالنسبة إليه شركة تضامن واقعية». كما يحق لكل شريك من الشركاء المحاصين أن يتعامل مع الغير باسمه الخاص، ولا يحق للأخير الرجوع على بقية الشركاء إن علم بوجود الشركة طالما أن الشركة ما زالت تتمتع بصفة الاستتار، ويظل حق الغير قائماً في مواجهة هذا الشريك دون غيره، كما يحق لهذا الأخير الرجوع على بقية الشركاء لتقسيم الخسارة فيما بينهم. وفي حالة قيام الشركاء باختيار أحدهم مديراً للمحاصة، فعليه أن يقوم بمزاولة كافة الأعمال التي يتطلبها الغرض من قيام الشركة، حيث يتعاقد مع الغير باسمه الخاص ويسأل بمفرده دون بقية الشركاء عن جميع الالتزامات والتصرفات التي تنشأ في مواجهة الغير، لأنه يكتسب صفة التاجر، وبالتالي تختفي أي رابطة قانونية بين الغير وبقية الشركاء. كما تنعقد أيضا مسئولية المدير تجاه بقية الشركاء عن أعمال إدارته. وتنقضي شركات المحاصة كبقية الشركات بالأسباب العامة لانقضاء الشركات، أو بالأسباب الخاصة بانقضاء شركات الأشخاص، غير أن شركة المحاصة تتميز بأن انقضاءها لا يتطلب خضوعها لنظام التصفية، لأنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية، وليس لها ذمة مالية مستقلة، وإنما يقتصر الأمر على إجراء عملية محاسبية بين الشركاء لتقسيم الأرباح والخسائر بينهم، وفي حالة وجود أي نزاع أو خلاف يتم تعيين حكم أو خبير محاسبي أو أكثر يختاره الشركاء للفصل بينهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع نظام الشركات الجديد قد خلا من هذا النوع من الشركات وحسناً ما فعل.