تحت وطأة ضغط إعلامي شديد لتعزيز انتصار سياسي لإيران وعسكري للحوثي، مترافق مع تسريبات عن اتفاق مسقط الذي حضرته واشنطن، ركز تحالف الحوثي والمخلوع قصفهم وحصارهم العسكري على تعز مؤخراً بصورة غير مسبوقة، وتزامن القصف مع تكثيف رسائل محور إيرانروسيا الموجهة للمملكة تحديداً، كما تزامن ذلك مع تكثيف جولات القصف على نجران ومناطق حدودية للمملكة ضمن ذات الهدف، والذي يتردد في الإعلام الغربي وفي التسريبات غير المعلنة للبيت الأبيض، الذي لا يغيره بيان كامب ديفيد، المليء بعبارات دبلوماسية فضفاضة، لم تُغيّر من قواعد اللعبة الجديدة التي لا تزال حاضرة بين الغرب وإيران. الرسالة تصب في موقف محدد، وهو الضغط على المملكة واضطرارها للتعامل مع مخرجات توافقية، تُكرس هيمنة التحالف الإيراني في اليمن على مستقبله السياسي بغض النظر عن الصورة الديكورية التي سينتهي لها هذا المشروع، سواء في جنيف المؤجل أو غيره. وكان واضحاً أن هناك تكثيفا للرسالة، سواء بدعوة حسن نصر للتعبئة الطائفية جهراً وعلانية، أو استثمار حوادث العنف والإرهاب للضخ في ذات السياق، او استعراض الإعلام العراقي لحكومة حيدر العبادي ووجبة الهجوم الجديدة على المملكة، إضافة لنشاط إقليمي ودولي لمواجهة مؤتمر الرياض السوري. كل هذه الرسائل تتجه لإضعاف الموقف الرافض والذي لم يصدر منه أي تأكيد حتى الآن، لما قيل عن وثيقة مسقط التي أعلنها الحوثي نصرا له، لكن الضغط الشرس على اليمن مستمر ومنهجية الميدان اليمني لا تزال تعاني تحت ضربات السلاح الضخم الذي نهبته ميلشيات الحوثي حين سُلمت لها صنعاء قبل خروج الرئيس هادي منها، ومن خلال وزير الدفاع في ذلك الوقت، وتعزز خلل الميدان عبر تنحية القيادات المناوئة للحوثي في حينه، ثم استمر الخلل بعد عاصفة الحزم حتى اليوم، وبالتالي عانت مدن المقاومة في عدن ومأرب والضالع وخاصة تعز أيقونة التغيير التاريخي في اليمن من آثار هذا الاختلال الخطير . وكل مراقب يدرك اليوم حقيقة هذا الواقع في الميدان، وأن كل مؤتمرات الاقتصاد والتكنوقراط والحوار الأممي والبحث عن مخرج سياسي، لن تُسفر عن شيء، ما لم يُغيَّر واقع الميدان اليمني الى أرضية تنعطف به نحو الحسم . إن استمرار هذا الواقع يهيئ للخطط السياسية للمحاور المناهضة والمتقاطعة مع إيران للتقدم وتضييق الخناق، وقد جرى ذلك طوال الفترة السابقة ضمن تقدير تصور فريق الرئيس هادي لإدارة المعركة، وهو التصور الذي عجز عن تحقيق أي معادلة تغيير حتى الآن، ولولا تتابع القصف الجوي للتحالف في مناطق التسلل للحلف الإيراني لانتهت خطة فريق الرئيس هادي إلى كارثة عسكرية تتبعها كارثة استراتيجية. وحتى كتابة هذه السطور عجز الفريق الحكومي عن تحقيق رابط حيوي لإمدادات السلاح في مدن المقاومة، بحيث يكون وسيطا فعّالا بين التحالف والميدان المقاوم، وتعزّز ضعفه لفقدانه لأقل درجات الثقة مع القبائل في شمال ووسط اليمن بل وحتى بعض جنوبه، كما أن الحملة التي شنها مقربون من الرئيس هادي وبعض ذوي الحسابات الفئوية والمصالح على قيادات الشمال المناهضة لإيران، أثّرت كثيرا في أجواء الحرب سلبا على خريطة النصر المنتظرة. إن ما نحتاجه اليوم، وقد أشرنا إلى ذلك مبكراً، هو تغيير هذه المعادلة وتدشين قيادة عمليات ميدانية، تحتفظ برمزية الرئيس هادي وشرعيته للبناء عليها مستقبلا، وتُطلق جولة حوار سري مباشر وعاجل في الرياض مع قيادات الجيش والعشائر، وجمعهم مع قيادات المقاومة أو ممثليهم في كل المدن لتوحيد غرفة عمليات وبرنامج حسم عسكري. وكسب ثقة هذه العشائر والقيادات المفصلي لأي حسم مستقبلي، يحتاج أن تطمئن فيه هذه القوى بانها شريك وطني يشارك في صياغة مركزية لمستقبل الحسم والمشروع السياسي التوافقي لكل اليمن الذي يليه، وأن ما تعرضوا له ابان تواجد مستشاري صالح في فريق الرئيس هادي وتصفيتهم سياسيا لصالح إيران لن يتكرر، وعليه سيكون هذا الدافع جسر طمأنينة ليأخذ القيادي المؤهل دوره المناسب في مركزية الحرب، وتخوض غرفة العمليات الجديدة المعركة وتصعد بها بعد تغيير المعادلة، ودون ذلك سيستمر الاستنزاف، وتتوسع فرص المناورات والمؤامرات على اليمن والمملكة وتتعزز فرص إيران من الساحل السوري حتى ساحل الخليج العربي.