رانيا عبدالله الاحساء تحولت أحلام سيدات الأحساء بالوظيفة لكابوس يرفرف على رؤوسهن كل يوم مع اغترابهن عن اهلهن وذويهن وتعرضهن لمخاطر السفر والطريق فالحلم الذي انتظرنه طويلا سرعان ما تحول إلى شبح يهدد استقرارهن النفسي والجسدي والاجتماعي وفي هذا الصدد تحدثت مجموعة من المعلمات عن معاناتهن مع الوظيفة. فتقول المعلمة نورية المؤمن تخرجت في كلية التربية بالأحساء في عام 1418ه، وكنت أنتظر الوظيفة في منطقتي الأحساء لسبعة عشر عاما، وسجلت مرارا وتكرارا ديوان الخدمة المدنية ولكن دون جدوى، وبعد أن يئست من إيجاد وظيفة في منطقتي تقدمت وسجلت في نظام جدارة في منطقة أخرى وفوجئت بأنه تم قبولي بحفر الباطن، ففرحت بالوظيفة وشعرت بأن حلمي تحقق. وتضيف المؤمن: فرحتي بالوظيفة كانت ناقصة فقد تقدم العمر بي وأصبحت أعاني مشقة السفر والتي تزيد آلام جسمي وأوجاعي نظرا لمعاناتي من فقر وتكسر الدم المنجلي الشديد إضافة لمسؤولياتي تجاه أسرتي وأسرة أخي المعاق فأنا المهتمة بشؤون أخي المعاق عقليا وجسديا والذي لديه ثلاثة أطفال، كما أن لدي ابني المصاب بالربو ويحتاج إلى عناية واهتمام خاصة مع ما تصيبه من نوبات ربو وحالات التهابات متكررة في الجهاز التنفسي، وزد على هذا حالة والدتي التي ازدادت سوءا مؤخرا بعد أن تبين أنها تعاني من مرض السرطان، وتحتاج إلى رعاية ومتابعة في المستشفيات. وتشكي المؤمن بقولها إن ظروف عملي أعاقتني دون أداء واجباتي، كم تمنيت أن أقف بجانب والدتي وهي في هذه الظروف والمحن، فقلبي يتقطع كلما رأيتها على فراش المرض، مضيفة انها تنتظر كل عام نتيجة النقل وهي على رأس العمل إلى مدرسة بقرب بيتها، مع العلم أن المدارس القريبة من بيتها تعاني العجز من نقص المعلمات في تخصصها والتخصصات الأخرى سائلة: متى يظل حالنا نحن المعلمات مشردات في كل منطقة من أجل لقمة العيش؟ وناشدت المؤمن وجميع المعلمات المغتربات الوالد الحاني خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أن يتكرم عليهن بمكرمة شاملة تنقلهن من هذه الأوضاع المزرية والغربة المريرة تعيد لهن الأمل في الحياة. وتروي المعلمة مياسة حسن المهنا خريجة عام 1422ه تخصص الأحياء معاناتها بقولها: انتظرت الوظيفة عشر سنوات وأنا بأمس الحاجة إلى دخل شهري, فزوجي لا يعمل ولدي أربعة أطفال يحتاجون إلى ابسط مقومات الحياة وجاءتني الوظيفة في حفر الباطن فرحت كثيرا على أمل الا تطول غربتي سنة أو سنتين ويتم نقلي حتى أقوم برعاية أطفالي وأساعد والدتي الكبيرة في السن لرعاية أختي التي تعاني من إعاقة عقلية, كما أني اعاني من نوبات الربو الشديدة نتيجة التنقل والغبار الذي نعانيه في الطريق. وأضافت المهنا أن زوجها أصيب بمرض السكر واكتئاب شديد نتيجة بعدها عن اسرتها وتشتتها كما أصيبت ابنتها بحالة اكتئاب وقلق بسبب يأسها من نتيجة النقل كل عام, وتنتظر قرار النقل منذ أربع سنوات دون جدوى مناشدة الجهات المسؤولة بالنظر لحالها وحال أسرتها. أما حنان العلي فهي خريجة اقتصاد منزلي في عام 1424ه وتم تعيينها في حفر الباطن في عام 1434ه فتروي لنا قصتها بأنها ام لطفلتين احداهما ذات اربع سنوات والأخرى ست سنوات واضطرت لاصطحابهما معها لحفر الباطن لعدم وجود من يقوم بشؤونهما وعانت الأمرين لذلك حيث تضطر اسبوعيا للتنقل بين الأحساءوحفر الباطن مع معاناة الطريق وخطورته وتقلبات الجو المتكررة وسؤال ابنتيها الدائم عن ابيهما واعتبرتا ان الذهاب لحفر الباطن كعقوبة لهما او لعدم حبها لهما, وقد أصيبت إحدى ابنتيها بالربو فأصبح جهاز البخار ملازما لها في كل مكان يتنقلن إليه. وطلبت العلي إيصال معاناتها فالكلمات لا تشرح الوضع بشكل كامل فهي تقوم بدور الأم والأب والمعلمة والقيام بتلبية مستلزمات الأطفال وهذا أمر شاق عليها في عدم وجود محرم معها وصعوبة ايجاد وسائل التنقل ناهيك عن المصاريف المادية واستغلال أصحاب الشقق والسائقين لهن فهل يعقل ان تتساوى بالراتب مع معلمة من أهل المنطقة. وتبين العلي انه بعد عشر سنوات انتظارا للالتحاق بالسلم الوظيفي وخدمة الوطن تواجه هذه التجربة القاسية التي تثقل كاهلها مبينة أنه لا مانع لديها أن تقوم بعملها بأي منطقة ولكن يصعب أن تكون مدة بقائها فيها مفتوحة. أما المعلمة سعاد التي تخرجت في عام 1430ه وتم قبولها في التعليم في عام 1434ه ومعاناتها تكمن في أنها تعينت أول سنة في نجران وبعد سنة تم نقلها إلى حفر الباطن فكل اسبوع تخرج من منزلها مودعة أسرتها وأبناءها الذين تربوا بعيدين عنها بسبب جريها وراء لقمة العيش فتقول: نحن أمهات في المقام الاول ونقوم بتدريس أبناء الوطن دون القدرة على تدريس ورعاية أبنائنا. مناشدة وزير التربية والتعليم ان يرى حلا يكون في مصلحتهن ومصلحة أبنائهن كمعلمات مغتربات فتقول كيف ستتمكن المعلمة من العطاء وهي تعاني من بعدها عن اسرتها إضافة لمعاناتهن من مخاطر الطريق والذي تشبع من دماء المعلمات المغتربات. أما فاطمة السليمان المتخرجة منذ عشر سنوات وتوظفت أخيرا بمكرمة ملكية في عام 1433ه في منطقة تبعد عن سكنها 450 كم فاضطرت إلى السكن فيها وترك أطفالها مع والدهم بحكم عدم وجود محرم لديها وصعوبة الاعتناء بهم، وهذا ما زاد الأمر سوءا على أطفالها حيث قل الاهتمام بهم لان الأطفال بحاجة إلى أم تقوم بشؤونهم وترعاهم مما جعلها تلجأ لاصطحابهم معها في مكان سكنها حيث لاقت مشقة حين يمرض احد أبنائها ولا تجد من يوصلها للمستشفى وعدم مقدرتها على القيام بتوفير مستلزمات المنزل حتى يضطر زوجها إلى ترك عمله والذهاب إليهم لتوفير ما يلزمهم كل هذا على امل أن يكون قرار النقل قريبا لكن لضعف حركة النقل لم يتم نقلها حتى الآن. أما المعلمة نجيبة الغراش فتعيينها يبعد عن مقرها 700كم وتسافر اسبوعيا لمقر عملها إلى هجرة مبتعدة عن زوجها وأبنائها ونظرا لأنها تدرس في هجرة فتستيقظ في الرابعة والنصف فجرا وترجع إلى منزلها في الثالثة عصرا وترتب على هذا مشاكل زوجية عديدة اضطرت ان تحضر أطفالها معها وتسكن في شقة مع أولادها ومع ذلك تشعر بالخوف لعدم وجود محرم معها عدا خوفها من التحرش من قبل بعض السائقين وعرضها للاستغلال فمرتبها يضيع بين المواصلات والسكن والحاضنة. وتقول الغراش: كيف لنا نحن المعلمات أن نبدع ونخرج أجيال المستقبل وأطفالنا بلا أمهات وقلوبنا تملؤها الحزن والكآبة وأجسامنا مرهقة ومتعبة من كثرة السفر والتنقل. في حين تقدمت جميع المعلمات المغتربات «كما سمين أنفسهن» بمناشدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ليتكرم عليهن بمكرمة ملكية تعيد الأمل لهن للحياة بأن تكون وظائفهن في نفس مقر ذويهن حسب الرغبة الأولى التي تقدمن بها للوظيفة لينعمن بالاستقرار مع عائلاتهن ويستطعن تقديم الأفضل للوطن. وفي هذا السياق تحدث الدكتور سمير الضامر قائلا: مشكلة المعلمات المغتربات هي مشكلة معقدة، تشترك فيها مسائل تنموية وإدارية واجتماعية، وما دام ملف المعلمات المغتربات لم يجد الحلول الجذرية إلى هذه اللحظة، فهذا يسبب قلقاً نفسياً ووجدانياً في البنية الاجتماعية، ويربك مسيرة تنمية الذات للأسرة السعودية، فعلى سبيل المثال: زوجة تغترب عن زوجها في شهور زواجهما الأولى إلى حيث هجرة نائية، زوجة تغترب عن زوجها وأولادها وربما تأخذ رضيعها الصغير معها إلى حيث هي نائية، معلمة تغترب عن بيت أهلها وتبتعد عن والديها وإخوانها، ولربما رافقها والدها الشيخ أو أخوها الصغير. مضيفا والحالات في هذا المجال أكثر من أن تحصى، والحوادث والمآسي التي تحدث منذ سنوات هي نتيجة لعجز إداري في وزارة التربية لحل هذه المشكلة. وعبر الضامر عن وجهة نظره بأنه يرى أننا بحاجة لهذه الأمور: تقنين فتح المدارس في الهجر النائية، وإغلاق الكثير منها وخصوصاً الهجر التي ليس فيها كثافة سكانية، وإلزام سكان الهجر النائية بالنزوح للمدن القريبة من أجل تعليم أولادهم وبناتهم في المدارس، عمل خطة تنموية سريعة لتحويل الهجر إلى مدن متكاملة الخدمات والمواصلات. إضافة لفتح باب التعاقد مع المعلمات غير السعوديات، وذلك من أجل أن يكن في المدارس النائية. أما إذا كان ولابد من وجود معلمة وطنية في مدرسة مغتربة فأشار الضامر الى أنه يجب على وزارة الخدمة المدنية، ووزارة التربية اعتماد بدلات مالية مجزية لبدل الاغتراب، وتهيئة وسائل المواصلات الآمنة وتعزيز التعلم عن بعد، وذلك بتهيئة مراكز تقنية في الهجر النائية ليتلقوا التعليم من خلال الشبكات المفتوحة، وتكون المعلمات هن من يؤدين التعليم من خلال هذه الشبكة وهي في مقر إدارة التعليم القريبة من بيتها، أو من مركز مصادر التعلم في مدرسة قريبة من بيتها. واقترح الضامر أن تخصص قناة تلفزيونية خاصة لأهل الهجر، وتحول المقررات إلى برامج تعليمية يتلقاها الطالب أو الطالبة، ويختبر فيها في نهاية الفصل متمنيا أن يكون للتعليم في ناطق النائية جهة متخصصة، ترسم وتخطط وتقرر أفضل المميزات والخدمات لكل من تريد من المعلمات الالتحاق بسلك التعليم، وتراعى كذلك ظروف أهلها وزوجها بما يخدم مصلحة الجميع. أما وكيلة عمادة شؤون المكتبات أستاذ مشارك بقسم الإدارة التعليمية بجامعة الملك فيصل ناهد الموسى، فاتفقت مع الضامر بوجوب استخدام التقنية الحديثة خاصة في المناطق الوعرة النائية لصعوبة الوصول لها بشكل يومي، مقترحة أن يكون هناك تنسيق بين المعلمات القريبة من المنطقة للتدريس في هذه المناطق. كما اقترحت الموسى حلا لمسألة الاغتراب بأن يكون هناك مدة للتعيين في هذه المناطق مدتها سنتان كحد أقصى، تباشر المعلمة في هذه المناطق ومن ثم ترجع إلى مقر سكنها، أو أن يكون هناك زيادة للتوظيف تغطي هذا العجز في المعلمات. وتحدثت دكتورة علم النفس مريم عبداللطيف الناجم عن هذا السياق بقولها: تتطلع المرأة السعودية إلى تحقيق طموح ما بعد التخرج من الجامعة؛ فبعد سنوات شاقة من طلب العلم تترقب الحصول على وظيفة تلبي طموحها وتؤمن لها الاستقلال الاقتصادي والكفاية المالية. وحينما تجد فرصة للتعيين على وظيفة بمؤهلها العلمي تغمرها فرحة التوظيف وتنقل تباشيرها إلى أفراد أسرتها وكل محبيها، وقد تخفي هذه البشرى عن البعض خوفا من عين حاسدة أو قلب غيور. وبعد أن تعبر الفرحة عن نفسها يبدأ القلق في الظهور متسربا إليها شيئا فشيئا؛ إنه الخوف من المجهول فلم تعد الوظيفة هي الهاجس لكل متخرجة، وإنما مقر تلك الوظيفة؟ أين؟ وربما يتصدر قلق المقر على هاجس التوظيف أو يتلازم معه ويصل هذا القلق أقصى مداه حينما تُبلغ المرأة بمكان وظيفتها الذي يبعد مئات الكيلو مترات عن مقر إقامتها، فتعيش مع عائلتها مناخا نفسيا صعبا، حيث ينشغل ذهنها، وتفكير والديها وزوجها بهموم الوظيفة الجديدة. وذكرت الناجم بعضا من هموم الوظيفة النائية ومنها السفر ومتاعبه، فالمسافة بعيدة عن مكان الإقامة وتصل إلى مئات الكيلو مترات إلى جانب صعوبة الطريق ومخاطره التي تتضاعف مع التقلبات المناخية، والأحوال الجوية الطارئة، وقد تضطر الموظفة المستجدة إلى السفر أسبوعيا لمقر عملها وهذا بحد ذاته يمثل خطورة متكررة ويعد مثيرا للخوف الشديد من حوادث الطرق لا سيما أن تلك الحوادث مستمرة ومفجعة لأسر كثيرة. مضيفة: مرافقة الزوج من الهموم التي تلاحق الموظفة حيث يكون الزوج أمام خيارات صعبة، فهو إما أن يعيش مع زوجته فترة التعيين أو يتركها مع أحد من عائلتها وربما مع رفقة سكن من زميلات العمل، فإذا اختار مرافقتها سيواجه صعوبات كثيرة منها طلب نقل من جهة عمله، أو طلب إجازة بدون مرتب، وقد يضطر للاستقالة، وبلا شك أن الزوج سوف يعاني من تبعات هذه الوظيفة البعيدة وستترك هذه المعاناة آثارها على زوجته الموظفة وأبنائه. أما رعاية الأبناء فهي من أهم الهموم وأقساها أثراً غياب الأم عن أبنائها، وترك رعايتهم لبدائل أسرية مثل الجدة أو أهل الموظفة، حيث تضطر لهذا الإجراء لأسباب كثيرة ومعقدة منها الخوف عليهم من مخاطر الطريق، عدم وجود من يرعاهم عند غيابها عن المنزل وقت العمل الرسمي، وابتعادها عنهم لفترة طويلة قد تمتد لسنوات سيؤثر على تنشئتهم واشباع حاجاتهم المرتبطة بوالدتهم، وقد تظهر عليهم أعراض سلوكيات تنذر بمشكلات نفسية واجتماعية خطيرة نتجت عن انشغال الأم بوظيفتها وانقطاعها عنهم، ويتعدى أثر ذلك من الأبناء إلى الأم نفسها، حيث تشعر بقلق مستمر على أولادها، وربما تلوم نفسها كثيرا على التقصير في الاهتمام بهم، كل ذلك سيلقي بأثره السلبي على مستوى أدائها الوظيفي، وأيضا على علاقاتها مع الآخرين في جهة عملها. أما عن التكاليف فذكرت الناجم عندما تعين المرأة في وظيفة خارج مقر إقامتها تتحمل أعباء مالية كبيرة تستهلك مرتبها الشهري بشكل منتظم، مثل تكلفة السكن، المعيشة، وسيلة السفر سواء بالنقل الجماعي أو الطائرة أو نقل خاص وسيلة النقل لمقر العمل اليومي ....الخ . أما عن المقترحات في مقابل تلك الهموم منها فقالت: توفير وسائل نقل آمنة ومريحة يخفف من أعباء السفر كالتوسع في شبكة الخطوط الحديدية، وتطوير وسيلة النقل الجماعي وتضمينها خدمات جديدة تلبي حاجات المسافرين، وزيادة الرحلات الجوية الداخلية في أوقات تلائم الموظفات، أو توفير وسيلة نقل خاصة بالموظفات وخاضعة لشروط تشغيل صارمة تجعلها قادرة بكفاءة على المحافظة على سلامة الموظفة وراحتها وتوفير المجمعات السكنية المناسبة للموظفات كالمدن الجامعية لأعضاء هيئة التدريس، أو بدل سكن عوضا عنه وصرف بدل تعيين خارج مقر الإقامة يُضاعف مرتبها الشهري، ويحقق شعورها بالرضا الوظيفي، ويسهم في تلبية حاجتها للتقدير. كما أضافت الناجم: ضرورة تسهيل نقل الزوج لمقر وظيفتها، وتحديد تاريخ لانتهاء فترة عملها تعزيزا لعطائها الوظيفي، وتخفيفا من الشعور بالقلق المصاحب لها وتوفير الرعاية للأبناء خلال ساعات عمل الموظفة كالحضانة، ورياض الأطفال والمرونة في مواقيت عمل الموظفة بما ييسر لها السفر في الوقت المناسب وإعطاء ميزات وظيفية لمن عملت خارج المحافظة التي تسكنها مثل النقل لأقرب مدرسة لها، بحيث تكون هناك حاجة فيها لتخصصها، تكون لها الأفضلية إذا رغبت في فرص تنافسية في مجال العمل. حالة من البهجة والسعادة تعيشها المعلمات حال تعيينهن في مدرسة مناسبة