هل كنا حقاً نعتقد بأننا في منأى عن أن تمتد لنا يد الإرهاب، رغم كل ما حولنا من عدم استقرار وفوضى ومعارك طاحنة يموت فيها يوميا العشرات بل المئات، وتهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ولا يستثنى الطفل أو الشيخ أو المرأة، وتنتهك كل قواعد الأخلاق والأعراف في تلك الحروب التي تطوقنا من الشمال والجنوب؟ لا أظن أن المتابع المطلع على الأوضاع كان يعتقد أن شرارة من تلك النيران الملتهبة لن تطالنا، فألسنة اللهب المشتعلة لا تعرف حدوداً أو خصوصية. المنطقة العربية المشرقية تشتعل في بعض دولها حروب طائفية، وتلك الدول التي لم تشملها الحروب بعد تتميز باحتقان طائفي يهدد بالانفجار في أي لحظة. المنطقة تمر هذه الأيام بأسوأ حالاتها منذ معاهدة سايكس بيكو التي ربما، أي المعاهدة، ستعتبر رحيمة مقارنة بما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة لو استمرت تلك الحروب، من خلق كيانات مقومات انتمائها هي الطائفة ولا شيء غير ذلك. ما حصل في الجمعتين الماضيتين من تفجير أماكن العبادة في بلدة القديح وحي العنود هو الإرهاب في أبشع تجلياته حيث يختار ضحاياه من ضمن الأهداف اللينة (soft target) وأعلاها رمزية دينية كمدخل لزعزعة اللحمة الاجتماعية. الجميل في الأمر هو ذلك التكاتف والإجماع الذي شهده المجتمع وعبر عنه في الوفود الهائلة من المعزين من كل شرائحه وطبقاته لكننا ونحن نردد المثل القائل «رب ضارة نافعة» لا ننسى المثل الشعبي الذي يقول «كثر الدق يفك اللحام». وبقدر ما اتفق مع الأصوات الكثيرة التي نادت بتجفيف منابع الإرهاب بالداخل، وإيقاف منابر التحريض، وتكريس العدالة الاجتماعية والمساواة على أرضية المواطنة، وسن قوانين تجريم النبذ الطائفي والحث على الكراهية، والنظر بصدق وجدية إلى بواعث الإرهاب المحلية، إلا أني أرى أن مجال العمل أوسع بكثير من ذلك. من المهم تحصين الجبهة الداخلية ضد فيروس الإرهاب، لكن محاربة الإرهاب في الداخل تقتضي محاربته في الخارج. لسنا الآن بصدد تحديد من أين بدأ الإرهاب فالجميع باتوا أهدافا مشروعة له. المفيد هو العمل على كل الجبهات لاستئصاله وحماية ما تبقى من المجتمعات من آثاره المدمرة. العمل على حل المشاكل السياسية التي تعصف بالدول العربية في سوريا والعراق واليمن هو ما يجب أن يركز عليه الجهد وهذه ليست من مهمات الشعوب بل الحكومات. أنصت إلى الشعارات الزاعقة والأناشيد، وانظر إلى البيارق والرايات لتدرك أن الحروب التي تخاض على جبهات الشرق الأوسط هي نسخة راهنة من حروب تكررت منذ حروب العقد الرابع من التاريخ الهجري، وفي كل مرة يظن الخلف بأنه أوفر حظاً من سلفه وسيكسب المعركة هذه المرة ولكن هيهات. في هذه الصراعات الطائفية المدمرة لن يكون ثمة غلبة لطائفة أو مكون من المكونات، وسيُجْهد كل المنتشين من الحرب، وستتعب أكتاف المحاربين من ثقل الدروع، وترتخي مع الوقت قبضاتهم الملتفة حول الأسلحة. باختصار لا أرى حلاً للإرهاب دون توافق سياسي بين مكونات المنطقة.. حلاً يوفر ما يخشاه الإرهاب؛ الاستقرار، والتعايش وذلك ما يوفره حضن الدولة. * كاتب وروائي