قيل في أساطير الأقدمين ان الكذب والحقيقة ذهبا أحد أيام الصيف ليستحما في ينبوع بلّوري، فخرج الكذب أولا من الماء وارتدى ثوب الحقيقة وانطلق متمخطرا بين الناس، ولما خرجت الحقيقة لم تجد ثوبها، لكنها أبت أن ترتدي ثوب الكذب فسارت بين الناس مجردة عارية فصدموا من جرأتها واتهموها بالوقاحة في بادئ الأمر، ولكنهم مع مرور الأيام اكتشفوا أن الحقيقة التي تصدم خير من الكذب الذي يخدع واتفق الجميع ووصموا الحقيقة بالشرف والكرامة والرجولة كما انها ركن إيماني. والحقيقة مفهوم ليس من السهل ضبطه إلا إذا عرفنا نسبة لتنوع المفاهيم حوله، والحقيقة كمفهوم عام تعني الواقعية والتي تقاس بمعيار الإدراك الحسي المباشر أو القابل للتحقق الواقعي، والدقة أيضا معيار للحقيقة والتي هي كل حق وكل قضية صادقة وكل ما تم تأكيده والبرهنة عليه، وبكل تأكيد ما خلا الحقيقة هو كذب مهما كان دافعه أو تصنيفه حسب التخاذلات المجتمعية من كذب أبيض وأسود وأحمر حتى أن بعضا من المتشدقين بالدين يحلونه حسب المقصد ويحرمونه حسب المرصد جهلا منهم بالسلوكيات وعملية التعود والتي هي مرحلة ما قبل الإدمان. ظاهرة الكذب ليست سمة عامة في أي مجتمع وإنما محصورة بمراحل وطبقات، حيث تتمثل لديهم بلورة ونسج صورة وتصديقها حيث تلعب المخيلة الدور الاساس فيها فيصدقون ما تنسجه المخيلة والتي تكون بعيدة كل البعد عن الواقع بحيث تصبح القدرة على التخيل أكبر من النمو الاجتماعي وحتى البيولوجي فيصور الاشياء على غير واقعها وحقيقتها ليس كما يطلق عليها من مسميات وهي ببساطة كذبة كبيرة تخفي وراءها حقيقة الفشل المرفوض. ومهما كانت الاسباب- وحتى لو قدمنا اعتقادنا بنظرية تصلح لاسعاد المجتمع ولم نحسن اختيارها أو لم نعرف تطبيقها- فليس عيبا أن نعلنها حقيقة كما ألمح إليها السيد وزير العمل بكل صراحة يشكر عليها مخاطبا ومطالبا المنتقدين بأن لا ينتقدوا بل يساعدوا في الحل وقد استجاب مواطن مبادرا بالمنطق والارقام ببديل فرض السعودة على القطاع الخاص باعلانها مبالغ تجبى حسب المعيار للسعودة وهذه الاموال يعاد تدويرها في التعليم والتأهيل والتدريب ومساعدة الطلاب المبتعثين ومن هم في التعليم الخاص وتلك إذا مجموعة فوائد تعود بالنفع وانها السبيل الوحيد البادي في الافق حاليا للقضاء على السعودة الوهمية الناتجة عن عدم دراسة أي مشروع وتقديمه كواقع دون معرفة سلبياته وايجابياته، وقد اوجد لنا هذا المشروع كما هائلا من العطالة المقنعة والفراغ القاتل والطريق الممهد للأدمان والجريمة والانحراف الفكري حتى أن الكثيرين استقالوا من أعمالهم ورضوا حتى برواتب أقل طالما انها بدون مجهود أو تقيد وفضلوا النوم لثلاثين يوما ثم تتدفق عليهم الرواتب الشهرية ونظاما عن طريق البنوك التجارية مع التسجيل في الضمان الاجتماعي الذى يضمن التسكع والتعطل وكذا الحال مع شركات التأمين الصحي وغيره والتي تضمن العلاج لأشخاص لا يؤدون دورهم الطبيعى في الحياة من أجل غد أفضل. ومسألة أخرى لن يقنع بها أي مواطن صغيرا أو كبيرا متعلما أو جاهلا وهي بعض الوهم الدعائي بأن مشكلة الغلاء في المعيشة والسكن وتدني الخدمات وحتى العطالة ناتجة عن وجود الاجنبي ببلادنا وتصوير العدد المهول السائب منهم والحملات التي انتظمت ونشكر رجال الامن من جوازات وكل اللجان التي ساهمت في القبض على الكثير وترحيلهم إلى بلدانهم وقد أدوا دورهم بكل أمانة وصدق وفعلا كان المفترض أن يترك هذا الجانب للجهات الامنية لأنهم الآن اصبحوا في موقف لايحسدون عليه والساقية ما زالت مدورة وبحساب بسيط كلما تم ترحيل مليون يتم استقدام مليونين والحسابة بتحسب، بصراحة تعثرت المشاريع وتوقف عمل المقاولات وارتفع اجر العمالة نظامية أو غير نظامية، وأصبح إصلاح حنفية في البيت يكلف أكثر من مائة وخمسين ريالا بعدما كان لا يزيد عن عشرين ريالا، وتقاس بقية الأشياء وليس كل ما لدى الخارج يصلح لدينا، فمثلا إذا اعتقدنا أن تصير الأمور كما في امريكا مثلا فليس منطقيا؛ لان شركات الخدمات تستنزف المواطن الامريكي وبحساب بسيط لتكلفة أي عمل يحتسب اولا مصروف السيارة التى تصل بالمعدات وطاقم الصيانة ووقتهم وقطع الغيار بعد احتساب نسبة من قيمتها تضاف كفائدة للشركة، ولنا أن نقول كلمة حق إذا تمت متابعة كل وافد متسيب لا يعمل مع كفيله وبطرق بسيطة جدا لا يمكن الافلات منها مع الجزاء الرادع للمتستر فمن الواضح أن الأمور ستتحسن والقافلة تسير ولا داعي لهندسة المسائل الواضحة لأن الواضح واقع ومحاولة تحسينه بغير الواقع ستضير المواطن وبس. مهتمة بالشأن الاجتماعي