قبل أسبوعين، قدّمت شركة ريو تينتو الأسترالية، ثاني أكبر منتج للحديد الخام في العالم، رهانًا جريئًا على قطاع صناعة الفولاذ في الصين. وهنالك مشكلة واحدة صغيرة.. تبدو الحكومة الصينية أنها على الجانب الآخر من ذلك الرهان. وأعلنت شركة ريو تينتو أنها ستزيد من إنتاجها في المقام الأول استنادًا إلى التوقعات الإيجابية حول صناعة الصلب في الصين، التي تستخدم خام الحديد كمادة خام. تقدّر الشركة بأن الصين، رغم التباطؤ الاقتصادي الحالي لديها، ستعمل على إنتاج مليار طن من الفولاذ سنويًا بحلول عام 2030 - تقريبًا زيادة بنسبة 21% على كمية الإنتاج الرائدة في العالم البالغة 822.7 مليون طن والتي أنتجتها في عام 2014، عندما كانت تمثل ما يقرب من نصف الإنتاج العالمي كله. لكن الحكومة الصينية قد تعمل على تعقيد تلك الخطط. في أسوأ الأحوال، كانت بكين تتعامل مع تباطؤ الدولة الاقتصادي على أنه فرصة لتقليل الحجم (والأثر البيئي) لصناعة الصلب لديها. ويبدو أنها جزء واحد من مخطط الرئيس تشي جين بينج، الذي أعلن عنه في شهر يناير، الهادف إلى إعادة توجيه الاقتصاد الوطني نحو مسار طبيعي جديد مستدام وأبطأ نموًا. وهذا يمثل تحولًا مثيرًا بالنسبة للحكومة الصينية، التي تسيطر على جزء كبير من صناعة الصلب، ولها تاريخ طويل، يعود إلى ماوتسي تونج، الذي عمل على دعم توسّعها والمفاخرة بإنتاجها الكبير. كان التعاون ما بين شركات تصنيع الفولاذ والحكومة فكرة جذابة بشكل خاص خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، عندما كانت الصين بحاجة إلى بناء مساكن جديدة وبنية تحتية لدعم عملية التحضر الأسرع في العالم والأكثر ضخامة. إن توسّع الصناعة السريع والمدعوم من الحكومة خلال تلك العقود - حيث قفزت من إنتاج 100 مليون طن من الصلب في عام 1996 إلى إنتاج 822 مليون طن في الوقت الحاضر - كان له بعض العواقب الوخيمة والكارثية، لا سيما بالنسبة للبيئة. أصبحت صناعة الصلب سيئة السمعة بين الناس لتسببها في حدوث التلوث. لكن نادرًا ما كانت الحكومة تتراجع عن دعمها في الجوانب السياسية والمالية.وجادل كثير من المحللين بأن المسألة كانت مجرد مسألة وقت حتى تقوم الصين بإبطاء أو إيقاف نمو الصناعة السريع، على الأقل مؤقتًا. ويبدو أن البيانات الأخيرة تظهر أن تلك اللحظة قد حانت. في عام 2014، في الوقت الذي تباطأ فيه معدل النمو في الصين إلى نسبة 7.4%، وهو المعدل الأبطأ لها على مدى 24 عامًا، وارتفع إنتاج الصين من الفولاذ بنسبة ضئيلة بلغت 0.9% فقط - المعدل الأبطأ لها على مدى 33 عامًا. ومع ذلك، لم يكن هناك مَن يتوقع أن تواصل الحكومة الصينية تطبيق خطة معينة من أجل تقليص هذه الصناعة - على الأقل حتى إعلان الرئيس تشي في يناير المتعلق بإعادة ضبط الاقتصاد في الصين. ومنح المؤتمر الدولي "لإعادة تدوير المعادن" في الصين الأسبوع الماضي الذي أقيم في المدينةالصينية تشينغداغو بعض اللمحات عما قد يعنيه "المسار الطبيعي الجديد" الذي أعلن عنه الرئيس تشي بالنسبة لصانعي الصلب.واحد من التغييرات هو أن المسؤولين الصينيين يصبحون صريحين بشكل متزايد حيال المشاكل في هذه الصناعة.. لم يخجل تشو جيمين، نائب الرئيس التنفيذي لرابطة الصلب والفولاذ الصينية التي تديرها الحكومة، من إبراز فكرة أن إنتاج الصين من الصلب الخام تراجع بنسبة 1.7% على أساس سنوي خلال الفصل الأول من عام 2014. اعترف أيضًا بأن 52.48% من أعضاء الرابطة (التي تضم جميع شركات إنتاج الصلب الرئيسية في الصين) سجلوا خسائر في شهري يناير وفبراير. مثل هذه البيانات تساعد مسؤولي الرابطة الذين يقفون إلى جانب إيقاف الفائض الذي تحصل من خلاله قدرة صناعة الفولاذ على المكاسب في المستقبل. ويُتيح المؤتمر أيضًا دلائل تشير إلى أن الحكومة تعتزم القيام بدور أكثر نشاطًا في جعل صناعة الفولاذ أكثر استدامة من الناحية البيئية. وركز تشو وغيره من المتحدثين مرارًا على أن الحكومة تنفذ الآن أنظمة بيئية تم تجاهلها منذ وقت طويل - وفي الوقت تعرضت الشركات التي تحقق أسوأ الانتهاكات إلى ضربة مالية خطيرة. وأعلن لي تشين مين، مدير عام متقاعد حديثًا لقسم السيطرة ومنع التلوث في وزارة "حماية البيئة"، أمام الوفود المجتمعة بأن هذه الشركات ستكون شخصية مسؤولة طالما هي على قيد الحياة عن المشاكل البيئية التي تسببها. (أعلنت الوزارة مؤخرا عن لائحة لهذا الغرض). لا يبدو أن المدير لي سوف ينزعج أو يحزن إذا كانت المصانع التي وجد أنها تنتهك التعليمات البيئية قد تمّ إغلاقها نتيجة لذلك. وفي الوقت نفسه، أوضح متحدثون أن الحكومة الصينية سوف تقدم قريبًا حوافز قانونية ومالية لمعامل الصلب التي تستخدم الخردة كمادةٍ خام، على أمل إبعاد هذه الصناعة عن إنتاج المزيد من خام الحديد المسبب للتلوث. (حاليا، فقط 11% من الصلب في الصين يتم تصنيعه من الخردة، وترغب الحكومة في رفع النسبة إلى 30%).ولا يزال من السابق لأوانه أن نحدّد الأثر الذي سيكون لهذه المبادرات على صناعة الصلب في الصين، ناهيك عن أثرها على الاقتصاد الصيني على النطاق الواسع. مع ذلك، لا تزال القيادة الصينية عرضة للمتاعب الناتجة عن الحنين إلى النمو المدعوم، كما هو موضح في قرار نهاية الأسبوع الماضي الذي اتخذه بنك الشعب الصيني والمتضمن خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة في غضون ستة أشهر. ولكن على المدى الطويل، إذا كانت الصين جادة حيال تعزيز اقتصاد أكثر نضجًا واستدامة، فإن على صناعة الصلب لديها أن تتقلص - وليس هناك ما يمكن أن يقوم به عمال مناجم الحديد في أستراليا لتغيير ذلك.