هذه ليست أفضل الأوقات لتكون واحداً من مصانع الصُلب الواسعة المملوكة للدولة في الصين. الاقتصاد المحلي يتباطأ، والمنافسة تتزايد، وهناك اشمئزاز وعدم صبر على نطاق واسع من الضباب الدخاني الذي يتدفق من مداخنها. باختصار، نموذج أعمالهم المربح على مدى العقود الثلاثة الماضية يموت ببطء. إذن ماذا قد يفعل أي مدير مصنع صُلب في الصين؟ هناك خيار شائع بشكل مفاجئ وهو توديع الصين. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت شركة هيباي للحديد والصلب المحدودة، وهي شركة مملوكة لاحدى المحافظات وأكبر شركة لصناعة الصُلب في الصين من حيث الإنتاج، أنها ستقوم بنقل 5 ملايين طن من إنتاجها السنوي - تقريباً 11 في المائة من 45 مليون طن من الصُلب الذي تقوم بصناعته كل عام - إلى جنوب إفريقيا. وفقاً لتقارير صحفية، هذه الشركة لن تذهب وحدها إلى الخارج. بحلول عام 2023، تعتزم محافظة هيباي - المنطقة الأكثر تلوثاً في الصين - تصدير 20 مليون طن من الصُلب، و30 مليون طن من الإسمنت و10 ملايين صندوق وزن من حمولة الزجاج (كل صندوق وزن يُساوي تقريباً 50 كيلوجراما) إلى وجهات لا تزال غير مسمّاة. للوهلة الأولى، تصدير القدرة الصناعية الزائدة لن يبدو أنه منطقي من الناحية التجارية. كما ذكرت وكالة بلومبيرج للأنباء قبل أسبوعين، فإن مصنع هيباي للحديد والصلب في جنوب إفريقيا سيكون «يُعادل ثُلثي ناتج جنوب إفريقيا العام الماضي، وثُلث ناتج القارة الإفريقية». بعبارة أخرى، ليس واضحاً ما إذا كان هناك الكثير من الطلب في هذه الأماكن الجديدة للسلع الوفيرة التي ينتجها عملاق الصُلب الصيني. لماذا، إذن، يفعلون ذلك؟ المسؤولون في محافظة هيباي الذين يشرفون على الشركة ربما شعروا أنه لم يكن لديهم أي خيار. أولاً: الأمر الذي لا شك فيه أنهم يواجهون ضغطا سياسيا للحدّ من أثرها البيئي في الصين: خفض إنتاج الصُلب، والإسمنت والزجاج -وهي جميعا من الصناعات الملوِّثة للغاية، خاصة في البلدان النامية- سيكون له تأثير مباشر على أهداف الرئيس تشي جين بينج الخاصة بالتلوث. (البدء من هيباي ستكون له فائدة إضافية، وهي تنظيف بكين المجاورة الملوثة). ثانياً، ببساطة قد تكون هيباي في حيرة حول كيفية تقليص الأعمال التي يعترفون أنها أصبحت منتفخة جداً. المسؤولون في الصناعات المتعلقة بالبناء والإنشاءات في الصين لديهم بوضوح الكثير من القدرة الإنتاجية والقليل جداً من الطلب. في شهر أيلول (سبتمبر)، حضرت خطاباً في بكين حيث أعلن نائب رئيس شركة هيباي أن القدرة الإنتاجية للصُلب في الصين قد نمت بمقدار 200 مليون طن منذ نهاية عام 2012، لتصل إلى 1.1 مليار طن بالإجمال. الكثير من هذه القدرة الإنتاجية غير مستخدم -من المتوقع أن تقوم الصين بتصنيع حوالي 750 مليون طن من الصُلب هذا العام. لقد كان التأثير مدمّراً على أسعار الصُلب الصينية المحلية. حين ننظر إلى السعر في شنغهاي بالنسبة لقضيب تعزيز الصُلب (حديد التسليح)، وهو عنصر أساسي لبناء كل شيء من مترو الأنفاق إلى البنايات السكنية الشاهقة: نجد أنه انخفض بنسبة 29 في المائة هذا العام. وقد تم تسريع هذا الانخفاض بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين (وأبطأ معدل نمو منذ عام 1990). إذن إلى أين يذهب الصُلب في ظل غياب سوق محلية قوية؟ خلال الأشهر ال 11 الأولى من عام 2014، قامت الصين بتصدير 86 مليون طن (تقريباً يُساوي مجموع إنتاج الولاياتالمتحدة في عام 2013)، بارتفاع بنسبة 47 في المائة خلال نفس الفترة من عام 2013. لكن سوق التصدير بالكاد تكون رهانا مستداما على المدى الطويل، خاصة في الوقت الذي تقوم فيه الولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان المستوردة بإضافة رسوم ضد إغراق السوق على الصُلب الصيني. بالنسبة لشركة تبحث عن النمو على المدى الطويل، ورأس المال الكبير للاستثمار، هذا فعلاً يترك خياراً واحداً: الانطلاق نحو العالمية. في الواقع، الحكومة الصينية كانت لديها سياسة «الانطلاق نحو العالمية» منذ التسعينيات، حيث كان يتم تشجيع الشركات لإقامة فروع لها في الخارج، بهدف استخراج المواد الخام والطاقة -وإلى حد أقل- التصنيع. لكن خلافاً لما كان يحدث في الماضي، عندما كان الانطلاق نحو العالمية بمثابة هدف رائع طويل الأمد، سياسة «الانطلاق نحو العالمية» اليوم فقد اتخذت منحى السرعة والعجلة. ما يؤكد ذلك هو أنه في يوم الأربعاء، أعلن مجلس الدولة الحاكم في الصين أن الصين سوف تزيد من تعزيز «الانطلاق نحو العالمية» من قِبل الشركات الصينية، بما في ذلك المساعدة المالية. الأهداف، كما وصفها مجلس الدولة، ذات شقّين. الأول، أن الصين حريصة على أن ترى شركاتها الرائدة تصبح قادرة على المنافسة دولياً - لدرجة أنه من الواضح أنه مستعد لتشجيع حتى الغزوات المغامِرة في الخارج. ثانياً، أن تمويل مثل هذه التوسّعات في الخارج هو إشارة إلى أن الصين تريد عوائد أفضل -على شكل أرباح ونفوذ سياسي- على احتياطاتها الكبيرة من الصرف الأجنبي. مع أن شركة هيباي أعلنت عن خططها المتعلقة بجنوب إفريقيا قبل شهرين من إعلان مجلس الدولة، إلا أنه من شبه المؤكد أنها تستفيد من الدعم الموعود. هل سينجح ذلك؟ على المدى القصير، فقط بحُكم إضافة الكثير من القدرة غير اللازمة لتجارة الصُلب في جنوب إفريقيا، من المرجح أن تقوم شركة هيباي بخلق نسخة أصغر من السوق المُشبّعة التي تؤذيها في محافظة هيباي. لكن تماماً كما تحوّلت شركات صناعة الصُلب المحلية في الصين إلى الصادرات عندما لم تكن الأسواق المحلية تقوم بتوليد الطلب الكافي، من المرجح أن تعتمد شركة هيباي على استخدام مصنعها الذي بُني حديثاً في جنوب إفريقيا لتلبية الطلب في الأسواق الناشئة في إفريقيا. لا خلاف على أن هذا بالكاد يُعد رهانا آمنا. لكن طالما تبدو الصين غير قادرة على تعزيز المناخ الذي ترغب الشركات بالاستثمار فيه، قد يكون تماماً أفضل خيار متوفر - وواحدا من الخيارات التي يرجح أيضاً أن تقوم الشركات الصينية الأخرى باعتماده قريباً.