تقول الأخبار إن مبيعات أعمال الكاتب الكولومبي الشهير غابريل غارثيا ماركيز، حامل نوبل للآداب، قد تضاعفت منذ وفاته في العام الماضي. لأنه يمثل علامة هامة في تاريخ الأدب، تكتسب رمزيتها وخلودها من كفاءة منجزه. وليس من خلال حفلة علاقات عامة وروافع إعلامية. وهذا هو منطق الذوات التي تخلص في حقول العلم والفن والرياضة وغيرها. وهو معيار جماهيري يمكن اعتماده لقياس نجومية اللاعب الكبير ماجد عبدالله، الذي تتصاعد نجوميته، وتتوسع جماهيريته، على الرغم من اعتزاله. إذ لا يُنظر إليه اليوم كلاعب سابق فقط، بل كإنسان مناقبي في تعامله الحياتي. يتزايد عدد محبي ماجد لأنه كان مثالاً للاعب الذي يمارس اللعب داخل الملعب، ولا ينجرف إلى مهاترات إعلام الإثارة ومدرجات التعصب. بمعنى أنه كان وما زال على درجة من الوعي بالمعنى الذي يمكن أن يستولده الأداء الفني داخل المستطيل الأخضر. وبالتالي فهو أكثر إخلاصاً للكرة التي يتداولها مع زملائه ومنافسيه من شهوة الكلام والتعليقات على هامش المواجهات الرياضية. وهذا هو مكمن اتكائه على تاريخ طويل من الأمجاد والمنجزات والسمعة الأخلاقية التي أهّلته للاستحواذ على قلوب محبيه، واستخلاص نظرات وعبارات الإعجاب من منافسيه. ربما لم يكن بمقدور ماجد الابتسام عند هزيمة فريقه، كما تقول الوصية الرياضية الشهيرة، فهو إنسان ككل البشر يُفرحه النصر وتُحزنه الهزيمة. إلا أنه كان يُبدي الكثير من التواضع والدّعة لحظة الانتصار. كما تنتابه حالة من البهجة المحسوبة أخلاقياً عند تسجيله لأي هدف. فهو ليس من الصنف الذي يستفز الآخرين. ولا يعتبر مباراة كرة القدم، مهما كانت مهمة وحماسية، فرصة ل (دق خشوم) الخصم، حسب التعبير الغوغائي السائد اليوم في المواجهات الكبرى. إنما كانت المباراة بالنسبة له فرصة للإبداع، وإمتاع الجماهير باللعب النظيف، المليء بالإثارة الفنية، وحماس الرغبة في عدم خذلان المشجعين. إيماناً منه بأن الأهداف التي سيسجلها أو سيصنعها هي التي ستخلّده، وستجعل له مهبطاً في قلوب الناس. كل المقارنات التي افتعلها الإعلام الرخيص بينه وبين مجايليه لم تحرك فيه حسّ الغيرة من أحد. ولم يراود نفسه بالرد على الكلام الأجوف إلا بالمزيد من الأهداف المبهجة واللعب الماتع. إذ لم يكن بمقدور أي إعلامي أو مشجع استدراجه إلى مستنقع التعصب. ولم يكن معنياً في أي لحظة من اللحظات بالجدل الإعلامي الجماهيري الهامشي عمن هو أسطورة الملاعب في السعودية. لأنه يعي تماماً بأنه أحد أهم صانعي أمجاد هذه الملاعب. وأن رصيده الجماهيري سيتآكل لو تخلى عن اللعب داخل الملعب وتفرغ للثرثرة. وهذا هو ما يفسر الإجماع على رمزيته الوطنية. على الرغم مما يزدحم به المشهد من شد وجذب وملاسنات لا تستند إلى رصيد الإنجازات، بقدر ما تبدو مرفوعة بهتافات وقبضات المشجعين. بدون تقليعات ولا استعراضات شكلانية كان يدخل الملعب. ولا يستخدم إلا عقله الرياضي الفطن، وجسده المهاري المرن: قدميه المدربتين على التهديف، وساقيه اللتين تسابقان الريح، ورأسه الذهبية. أما معظم لاعبي ملاعبنا اليوم فهم يستخدمون أيديهم المتمادية، وألسنتهم المنقوعة في بذيء الكلام. يتضاربون بالأيدي. يتبادلون الشتائم. وكأن تلك الشتائم جزء من اللعبة. حيث سجل هذا الموسم أكبر نسبة من السباب والبصق والشجار، لأن معظم اللاعبين يدخلون الملعب بدون رغبة في اللعب، بل بقصات شعر واكسسوارات غريبة لاستكمال عوز أجسادهم، ولفت أنظار الجماهير إليهم. يمثلون دور اللاعبين النجوم بدون لعب حقيقي. يستعرضون مركبات نقصهم أمام الجماهير المتعطشة لمشاهدة كرة قدم ذات معنى. جلاد الحراس، والرمح الملتهب، وغيرها من الألقاب التي حملها باستحقاق طوال تاريخه الرياضي لم يتأهل لها إلا لأنه كان يتوعد الفريق المنافس باللعب الاحترافي داخل الملعب. وليس من خلال التلويح ب (الطقطقة) التي صار معظم لاعبي اليوم يقومون بها بشكل غير لائق خارج الملعب. قبل وبعد المباراة. فهو لا يجيد (الطقطقة) إلا بالكرة وليس باللسان. لأنه باختصار لا يعرف ولا يقر إلا اللعب داخل الملعب. أما الاستهزاء بالفريق المنافس والتلاسن مع جماهيره أو استفزازه فليست في قاموسه. الأمر الذي يدفعنا لسؤال اللاعبين الذين يمارسون رياضة الاستفزاز: لماذا لا تكفون عن الطقطقة، والتهديد بدق الخشوم، وتلعبون بجدية ومهارة وشرف كما لعب ماجد!؟