غالباً ما يكون هاجس (الشمولية والكمال) عائقاً أمام ما نصبو إلى تحقيقه ... بتلك الكلمات لخص ماجد لزميله حسام مشكلة يعاني منها كثير من الذين يحملون آمالاً عظيمة ورؤىً يريدون بها تحقيق الرقي للمجتمع. حيث إن شكوى حسام المتكررة لزميله ماجد عن تطلعاته بتغيير بعض عادات مجتمعه الخاطئة التي تصوّر عنه فكرةً مغلوطةً لدى المجتمعات الأخرى، والذي يشكل هاجساً لحسام ويدفعه لفعل أمر ما لتغييره. فرمي القاذورات على قارعة الطريق مثلاً من غير إلقاء بالٍ للبيئة المحيطة و لا لعامل النظافة، بل ويتحجج بأن تنظيف هذه الأوساخ هو وظيفة ذلك العامل، وأنه لا يريد قطع رزقه ثم يردفها بضحكة مستهترة ! أضف إلى ذلك عدم المبالاة بأساسيات السلامة المرورية أثناء قيادة المركبة، حيث أن ربط حزام الأمان لا يكون عادةً إلا قبل نقطة التفتيش المرورية، والتقيد بالسرعة المحددة لا يكون إلا قبل «ساهر» بأمتارٍ قليلة ... ناهيك عن المناورات المتهورة داخل الأحياء السكنية و إزعاج الآخرين بصوت السيارة العالي، والذي يدل بزعمهم على مدى جودة وقوة المركبة! وغيرها الكثير من الجوانب الصحية و الاجتماعية التي تحتاج إلى توعية بأهميتها أو ضررها. أراد ماجد أن يوضح لزميله حسام أن توعية المجتمع بتلك الأمور يبدأ أولاً عن طريق توعية النفس والأهل و الأشخاص المحيطين، ومن ثم ينتقل تدريجياً إلى توعية المجتمع سواءً كان بأهمية السلامة المرورية على سبيل المثال أو غيرها من الأمور التي تحتاج إلى إدراك أو تغيير، ويكون ذلك عن طريق حملة توعوية تطوعية مُركزّة يشترك فيها المجتمع بكافة فئاته. رد حسام على زميله ماجد بأن التوعية بالسلامة المرورية هي ليست كل شيء، فما أريده هو توعية شاملة في جميع ما يحتاجه المجتمع من تطوير سواءً في جوانب التنمية والتدريب أو خدمة البيئة وحفظ النعمة أو رعاية الأيتام أو حتى في الجوانب الصحية والتقنية أو غيرها من الجوانب الاجتماعية المختلفة ... أما التوعية المرورية فهي جزء يسير مما أريد تحقيقه. أجاب ماجد بأن تلك «الأجزاء اليسيرة» إن أدّاها كل فرد منا بإتقان و تخصصية، فإنه سيصبح لدينا مجموعة من «الأجزاء اليسيرة» التي نستطيع تسميتها (مشروعاً مجتمعياً شاملاً) يطوّر الأفراد والأسر والمجتمع ككل، فإن بدأت أنت يا حسام بمشروعك اليسير عن التوعية بالسلامة المرورية مثلاً، وبدأ شخصٌ آخر بمشروعه اليسير في نظافة المدن والشواطئ، وآخر في فحص الأسنان و التوعية بأهميته ... وهكذا حتى يكون لكل تخصصٍ مشروعٌ يهتم به ... حينها سنشهد قفزةً نوعية و شاملة في الوعي المجتمعي، بل وسيزداد أثر المشاريع وتتعاظم القيمة المضافة إلى المجتمع، إن كانت تلك المشاريع تسير وفق منهج مؤسسي مترابط يُحقق التكاملية بين تلك الأجزاء، وذلك من خلال توجيه المشاركين في هذه المشاريع نحو عدد من القيم التي تؤثر في سلوكهم وتتماشى مع واقعهم اليومي، بحيث يتم ضمان مواصلة تلك الممارسات بعد انتهاء المشروع، ولا يكون ذلك مجرد بهرجةٍ إعلامية ذات فائدة و عائدٍ محدود على السلوك و الإنجاز. إن هاجسنا (بالإصلاح الشامل) غالباً ما يقف حجر عثرةٍ أمام ما نريد تحقيقه، حيث إن ما نريده صعب المنال، وما يتيسر لنا تحقيقه فإننا نقوم باستصغاره، والنتيجة في الغالب هي لاشيء! فلو سعى كل مشروع تطوعي على سد ثغرة معينة والتفت لتلك الأمور التي لم تلقَ اهتماماً كافياً من الجهات المختصة وركّز على تحقيق أهداف ذلك المشروع لصار تحقيق (المشروع الشامل) أقرب للواقع من الحلم، فتعليقُ بناء تلك المشاريع الصغيرة على حلمِ وأمنية (المشروع الشامل) الذي ربما يطول انتظاره يُعدّ ضرباً من التسويف والإرجاء الذي لن يعود بالخير على المجتمع و الأمة.