ينتظر هواة البر في الشتاء هذه الأيام حلول إجازة منتصف العام الجاري، حتى يتمتعوا بليل الشتاء الذي يطول عن نهاره ساعة من الزمن، ويتدبّروا فيه تجلي إبداع الله «عز وجل» في حركة الشهب، واقتران الكواكب وبروز لمعة نجوم الشتاء التي تتوزع بين "المربعانية والشبط والعقارب".. فالزائر لمدينة الرياض هذه الأيام، يلفت نظره تكتل أرتال السيارات ذات الدفع الرباعي وعلى متنها العوائل والأفراد، ماضيةً في سيرها خارجها، بحثًا عن الروضات والفياض التي يختلي فيها ضوء القمر برمال الصحراء بعيدًا عن تقنيات أضواء العصر، ليستمتعوا ببرد الصحراء الذي يناكفه دفء السمر والغضى، يتخلله في غسق الليل لحظات تدبّر للمعان نجوم الشتاء التي تزيّن السماء بألوانها وأشكالها حتى أواخر شهر مارس المقبل، لتحلّ مكانها نجوم الربيع. فالمملكة باتت بطبيعتها الفطرية المتنوّعة مقصدًا سياحيًّا على المستوى الخليجي والإقليمي والدولي، إذ تزخر بنُظم بيئية مختلفة تتوافق مع كل فصل من فصول السنة، وتستوعب طبيعتها الخلابة أذواق السياح ورغباتهم، فمن رمال صحراوية مفتوحة، إلى روضات خضراء وفياض خصبة، ومن جبال تعانق السماء، إلى جُزر طبيعية خلابة، وشواطئ ساحرة على امتداد الساحلين الشرقي والغربي. ورغم هذا التميّز الطبيعي الشامل، إلا أن الصحراء عُدّت الملاذ الفريد من نوعه للإنسان منذ العهود القديمة وحتى وقتنا الحاضر، حتى أنها أخذت حيّزًا من كتابات الكثير من الرحّالة المستشرقين الذين زاروا الجزيرة العربية في القرون الماضية، وحملت الصحراء في بطونها العديد من الأسرار، وبقيت المكان الذي يلجأ إليه الباحث عن السكون وسط أجوائها التي تتغيّر بعد أن ينعم الله «سبحانه وتعالى» عليها بالغيث، لتتحوّل من جرداء قاحلة إلى خضراء سندسية عطرة. وتشكِّل الأراضي الصحراوية ثلث مساحة المملكة تقريبًا، منقسمة إلى ثلاثة أقسام "النفود، والدهناء، والربع الخالي"، وتتمتع منطقة الرياض التي تعدّ ثاني أكبر مناطق المملكة مساحةً بعد المنطقة الشرقية، بوجود ما يزيد على 100 روضة، موزعة في ربوعها التي يحدها من الشمال عروق الدهناء ونفوذ الثويرات، ومن الشرق عروق الدهناء، ومن الجنوب الربع الخالي، ومن الغرب حرات الحجاز، وتختلف هذه الروضات في مسمّياتها، ومظاهرها الطبيعية ومساحتها. واختصّت الروضات والفياض في منطقة الرياض بأشجار ونباتات بعضها يتحمّل البيئة القاسية من شدة الحرارة والبرودة وقلة المطر، والآخر ينبت إبان فصل الربيع بعد هطول الأمطار، في حين استعان الأجداد في الماضي بهذه النباتات في تدبير أمور حياتهم اليومية، ورعي أنعامهم. وينبت في مواسم مختلفة بهذه الروضات أكثر من 45 نوعًا من النباتات الرعوية والحولية أبرزها الثمام، والثيموم، والظعة، والنصى، والعكرش، والرخام، والحلم، والروثة، والضمران، والضمرينة. ومن أبرز الروضات التي تحظى بمتابعة واهتمام وزارة الزراعة "روضة السبلة"، التي تقع في الشمال الشرقي من محافظة الزلفي وتعدّ من أهم المناطق التي تتنوّع فيها النباتات الرعوية مثل: السدر، والعوشج، والرمث، بالإضافة إلى النباتات الحولية، وتحظى "روضة خريم" باهتمام آخر، حيث تعدّ من أكثر الروضات تنوّعًا بالنباتات البرية خصوصًا الرعوية منها، وتقع شمال شرق الرياض على بُعد 100 كم. ويستلهم مرتادو الروضات في رحلتهم ما كان عليه الآباء والأجداد في ترحالهم وعيشهم في البراري، تجمعهم خيمة قماشيّة لا تتجاوز مساحتها عدة أمتار، تُضرب أوتادها في الأرض وتُنصب بأعمدة بدون جدران مسلحة أو عوازل أسفنجية، في حين قد يستعيض المستمتع بالرحلة عن الأفران الحديثة في طهي طعامه، بالحطب الطبيعي الذي يمنح الطعام مذاقًا آخر يُجبرك على تناوله ولو كانت المعدة متخمة، يعقبه احتساء فنجان من الشاي المُعدّ على السمر، أو تناول رشفة من القهوة الممزوجة برائحة الغضى وطعم الهيل والزعفران.