أسواق العملات تعمل على آفاق زمنية قصيرة جدا، هل تذكرون عندما قال هارفي شوارتز، كبير الإداريين الماليين في بنك جولدمان ساكس، إن ارتفاع الفرنك السويسري المفاجئ أمام اليورو في يناير كان «شيئا من قبيل تحرك انحراف معياري بأكثر من 20»؟ لم يكن يعني أن ذلك كان شيئا يمكن أن يحدث مرة واحدة فقط في عدة تريليونات من السنوات، بالنظر إلى أن الفرنك كان قد شهد تقريبا ازدهارا عجيبا ومن ثم هبوطا مقابل اليورو في عام 2011. ولكن من وجهة نظر تجار العملات، ما هو الفرق، بحق؟ أربع سنوات، أم تريليون سنة، هذه المدة بعيدة تماما بشكل لا يوصف. لهذا السبب، عندما تكون هناك خطوة هامة مثل ارتفاع الدولار مقابل اليورو على مدى الأسبوعين الماضيين، فإن هناك ميلا لمناقشة أمرها في لغة أشبه بنهاية العالم، نحن نشهد «انهيار» اليورو أو ربما «زواله» على يد «الدولار الأمريكي المنفلت من عقاله» على حد تعبير أحد محللي العملات الذي يستخدم لغة مثيرة بشكل خاص. زوال اليورو؟ هل هو جاد؟ لا بأس أن المختصين بالعملات يفكرون بهذه الطريقة، على ما أعتقد، ذلك أن الأسس السياسية المعقدة لليورو هي في الواقع هشة بعض الشيء، لكن بالنسبة لبقية الناس منا الذين لا يعتقدون أن أربع سنوات تعتبر وقتا طويلا بشكل لا يوصف، فإن مشاهدة رسم بياني لمعدل الصرف بين الدولار واليورو منذ بداية العملة الموحدة تعطيك فكرة أوضح. هذه الخطوة الأخيرة تعتبر مثيرة، لكنها أعادتنا فقط نحو المكان الذي كنا فيه عندما جاء اليورو إلى حيز الوجود في الأول من يناير 1999، في ذلك الحين كان الدولار مقابل اليورو أعلى بكثير من الأسعار الحالية، ثم أصبح أقل من ذلك بكثير، ربما تجد كل عملة الآن طبيعتها الحقيقية. حين ننظر إلى أداء الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى في العالم منذ انهيار نظام بريتون وودز لإدارة أسعار الصرف في عام 1973 فإننا نجد صورة مختلفة، وهي صورة نرى فيها الدولار في حالة انخفاض طويلة المدى في قيمته. هل هذا دليل على التدهور الاقتصادي الأمريكي، أم النمو الاقتصادي خارج الولاياتالمتحدة أو لا شيء من ذلك على الإطلاق؟ يبدو أنه يعمل فعلا على توضيح شيء بصورة أو بأخرى حول المأزق الغريب للدولار منذ انهيار اتفاقية بريتون وودز، باعتبار الدولار عملة احتياطية رئيسة في العالم، لا يزال مطلوبا حتى عندما لا يستحق الأداء الاقتصادي الأمريكي والسياسة المالية حقا شعبية من هذا القبيل. ونتيجة هذا «الامتياز الباهظ» هي أن الدولار يبلغ قيمة أكثر قليلا عما كان يمكن أن يكون خلاف ذلك الأمر، وأن وزارة الخزانة الأمريكية غير قادرة على اقتراض المال بمعدلات أقل مما قد يكون خلاف ذلك الأمر، ولكن امتياز الدولار أيضا يضعه تحت الضغط الهبوطي على المدى الطويل. سأترك إسوار إس براساد، استاذ الاقتصاد ومؤلف كتاب صدر مؤخرا بعنوان «فخ الدولار»، يشرح الأمر: «بروز الدولار هو نعمة ونقمة بالنسبة للولايات المتحدة، الدولار القوي وانخفاض أسعار الفائدة يعني أن الولاياتالمتحدة تحصل على السلع الرخيصة من بقية دول العالم والتمويل الرخيص، لكن قوة الدولار تؤذي صادرات الولاياتالمتحدة ونمو الوظائف، وهناك مشكلة أكثر جوهرية هي أن هذا يقلل من الانضباط الأمريكي في المالية العامة». الدولار القوي يخلق الظروف التي تضعف الاقتصاد الأمريكي ويشجع الولاياتالمتحدة على تشغيل عجز حكومي كبير، وهذا بدوره يسبب انخفاض الدولار. العجز المزمن الآن في الحساب الجاري يمكن أن يفسر على أنه دليل على هذا الضعف الراهن. ثم مرة أخرى، الجانب الآخر الذي لا مفر منه لعجز الحساب الجاري هو فائض حساب رأس المال، حافظ الأجانب على ضخ المال في الأسهم الأمريكية والسندات والعقارات، وبالتالي تعزيز الدولار، ثم من خلال الآلية المذكورة أعلاه (يؤذي الدولار القوي الصادرات ونمو فرص العمل ويُمَكِّن الدخول في السياسة المالية العامة الرديئة)، فإن ذلك التعزيز يسبب ضعف الدولار. إنها لمفارقة، أو لعلها تعتبر لغزا، لا بد أن يكون هذا هو أحد الأسباب التي تجعل معظم الناس في أسواق العملات لا ينفقون الكثير من الوقت في التفكير في الآثار المترتبة على ما يفعلونه على المدى الطويل، لأن ذلك قد يجعل رؤوسهم تنفجر.