عمت فتنة «داعش» وتوسعت هذه الفئة، ومن أسباب توسعها أنها لم يتصد لها أهل العلم فيبينون شبهاتها ويردّون عليها، ومن الشبهات التي تطرحها هي ومن يوافقها في الرأي: أن الإسلام يجب أن يسود فلا يجوز أن نبقي على كافر، أو على منافق، أو على عاص، يجب تطهير الأرض من هؤلاء جميعهم؛ حتى لا يبقى إلا مؤمن، ولذلك سولت لهم أنفسهم قتل الكفار وأهل الذمة والمستأمنين، وكذلك قتل المنافقين أو من يطلقون عليهم هذا اللقب من العلمانيين والليبراليين والقوميين واليساريين، وأصبح القتل شعارا لهم حتى قتلوا مسلمين بالشبهة إلى غير ذلك مما نسمعه من غرائب وعجائب هؤلاء. ولإبطال هذه الشبهة نقول: إن تصور المؤمن للدنيا أنها دار ممر لا مقر؛ ولذا أراد الله أن يبتلي فيها المؤمنين والكافرين والمنافقين والعصاة وكل من في الأرض جميعا، ولذلك حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أمة الدعوة ألا يصيبها الله بدعوة عامة أو مصيبة قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ ثُمَّ مَكَثَ طَوِيلا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ وُقُوفُكَ؟ قَال: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُهُ أَنْ لا يَهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُسَلَّطَ عَلَيْهَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا فَمَنَعَنِي) فدعوته صلى الله عليه وسلم رحمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وكان حريصا على إسلام الكافرين وإصلاح المنافقين وتوبة العصاة، ولذلك لما أتاه ملك الجبال في ساعة ضاق صدره وصده الكفار يقول له (أنا ملك الجبال فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فمرني بما شئت) رد عليه بقوله (لا ولكن أرجو أن يبعث من أصلابهم من يعبد الله). هكذا ينبغي أن يتمثل الداعية هذا المنهج منهج الرحمة، فيعذر الكافرين ويلتمس العذر للمنافقين ويسأل الله الهداية للعصاة. ثم في تصور المسلم، الدنيا خلقها الله ليتعايش فيها المؤمنون والكافرون والمنافقون والعصاة، هكذا ينبغي أن نتصور الأمر، ولذا تعايش الرسول مع الكافرين في مكة، وتعايش مع المنافقين في المدينة، وكان لا يرضى بالإساءة إليهم، وتعايش مع العصاة وكان يدعو لهدايتهم وإصلاحهم. ولذلك لمّا نادى ابراهيم عليه السلام «وارزق من آمن منهم بالله واليوم الآخر» قال الله: «ومن كفر» فالرزق مكفول للمؤمن والكافر وللبر والفاجر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ((لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء)) وكذلك الحياة مكفولة للمؤمن والكافر والبر والفاجر. إن المؤمن مأمور بأن يتعايش مع الآخرين ونعرف الحديث المشهور ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) فمطلوب من المؤمن الخلطة بالناس مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم ومنافقهم وصادقهم. ولذلك كان الرسول يتبع هذا المنهج، فكان يخالط المشركين والمنافقين ويذهب إليهم وإلى منتدياتهم؛ لدعوتهم حتى لحظ ذلك رأس المنافقين في المدينة فقال له ((ما أحسن ما تقول فلو أنك اعتزلت مجالسنا حتى يأتيك من أرادك)) يريد منه أن يعتزل في بيته ولا يخالط الناس. إذن منهج الإسلام واضح وهو منهج يحث على الاختلاط بالناس والتعايش معهم، وينهي عن العزلة عن الناس؛ لأن الخلطة والتعايش يستطيع المسلم من خلالهما أن يصلح ويدعو ويربي، فيستفيد منه الكافر والمنافق والعاصي. وينهى الإسلام عن القتل والتدمير وإثارة الرعب؛ لأن ديننا رحمة ورسولنا بعث بهذه الرحمة.