يؤكد الخبراء على أن تقدم المجتمعات يقاس بمدى مساهمة أفرادها الشباب والفتيات في العمل الخيري والتطوعي، كونه يؤصل لمفاهيم التكافل والتراحم بين الناس، وهي القيم التي أكد عليها الدين الإسلامي الحنيف، فقال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس»، وقوله أيضاً:»ما نقص مال من صدقة»، وقول ربنا -سبحانه وتعالى- في محكم آياته: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ورغم إعلاء الإسلام من قيم التكافل، إلا أننا نجد أن الغرب تقدم على الدول العربية والإسلامية في غرس ثقافة التطوع في المجتمع، إذ تزيد المنظمات والجمعيات التطوعية في أوروبا عن مثيلاتها في عالمنا العربي. جاء ذلك فيما نشره موقع وفاء لحقوق المرأة، وأنه بالرغم من ذلك نجد أن دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص أدركت مبكراً أهمية الأنشطة التطوعية، وخطت -منذ وقت طويل- خطوات ملموسة في إطار تشجيع المجتمع على ممارسة الأعمال التطوعية، وإن كانت الجهود المبذولة في هذا الإطار ما زالت تفتقر إلى التنظيم والرعاية الجيدة والجهات الحاضنة لهذه الأنشطة، التي تنظم تلك الجهود وتستفيد منها أفضل استفادة ممكنة. الفتيات أكثر مشاركة ولا شك في أن العمل التطوعي يشحذ الهمم ويجعل الفتيات والشباب يشعرون بقيمتهم وأهميتهم ومسؤوليتهم في تقدم المجتمع ورقيه، باعتباره أهم بوابات الخير والإحسان، لذا يسعون جميعاً من أجل بذل المال والوقت والجهد في تقديم المساعدة للمحتاجين وتخفيف المعاناة عن المتضررين. والملاحظ حسب الإحصاءات أن الفتيات السعوديات أكثر مشاركة من الشباب في الأعمال التطوعية، حيث لا يدخرن وسعاً في تقديم ما لديهن من وقت ومال وجهد من أجل المشاركة في البرامج والخطط التطوعية المختلفة لخدمة مجتمعهن. إذ أكدت ديما بشير العظم مسئولة العلاقات العامة وإدارة المعلومات في برنامج الأممالمتحدة الإنمائي على أن 50% من العاملين في البرنامج هن سيدات تشكل السعوديات منهن 75%. وللتعرف على أهداف الفتيات من الانخراط في العمل التطوعي، أشار استطلاع للرأي أجري على هامش ملتقى «إبداع» الذي عقد العام الماضي في المنطقة الشرقية، وشمل 189 فتاة متطوعة، أشار إلى أن النسبة الأكبر منهن وهي 81% أكدن على أن الدافع الأول للتطوع هو اكتساب الخبرة، وحل تحقيق الرضا عن الذات في المقام الثاني بنسبة 78%، واستغلال الطاقات في الترتيب الثالث بنسبة 4.8%، وأخيرا إضاعة الوقت بنسبة 4.2%. واقع العمل التطوعي وبذلك كسرت الفتيات السعوديات الصورة المزعومة عنهن، وأصبحن أكثر مشاركة في الأعمال الإنسانية، وأكثر تفاعلاً مع الأحداث المحلية أو الإسلامية المحيطة بهن، والدليل على ذلك دورهن الراقي الذي لفت نظر الخبراء والمراقبين في الداخل والخارج في إغاثة منكوبي سيولجدة، وجهودهن الحثيثة لرفع المعاناة عن الشعب الصومالي الشقيق. فمنطقة جدة على سبيل المثال، تشهد إقبالاً من الفتيات على الأنشطة التطوعية، وتتنوع الخدمات التطوعية التي تقدمها المجموعات التطوعية مثل: «فريق الصناع التطوعي» التابع للقسم النسائي للندوة العالمية للشباب الإسلامي بجدة، والذي يقدم باقة من الأعمال عن طريق خدمات وجهود أكثر من 300 متطوعة، أبرزها تقديم الخدمات لضيوف الرحمن في مواسم الحج والعمرة. لكن الأمر لا يقتصر على جدة فقط، لكن الإقبال على التطوع أصبح السمة البارزة للفتيات في كافة أرجاء المملكة، سعياً وراء كسب رضا الله -سبحانه وتعالى-، والمساعدة في تقديم الخدمات الإغاثية والطبية والغذائية للمحتاجين. ومن بين الفرق التطوعية النسائية «فريق رواحل» الذي بدأ نشاطه منذ ثلاثة أعوام على يد ثلاث فتيات، ليصبح عددهن في الوقت الحالي ما يزيد على ثلاثين فتاة من طالبات الجامعات السعودية، حيث يقدم الفريق جملة من الأنشطة التطوعية المتنوعة، منها ما هو مخصص للمسنات، واليتيمات، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، ومساعدة ذوات الاحتياجات الخاصة ومرضى السرطان وخدمة الجاليات غير المسلمة، كما نجح «رواحل» في توفير موارده المالية عن طريق مشروع الحرف اليدوية، الذي ينفق من عائدها على مشروعاته المختلفة. ويمكن القول إن العمل التطوعي له عدد من الفوائد التي تعود بالنفع على الفتيات، فهو يساعدهن على اكتساب مهارات التعامل مع المواقف المختلفة، وتحمل المسؤولية الاجتماعية، وتدريبهن على الالتزام وبعض الأمور الإدارية التي تساعدهن على الحصول على الوظائف في المستقبل، لا سيما أن معظم الفرق التطوعية تلتزم بهيكل إداري منظم يحدد الواجبات والمسؤوليات لكل عضو فيها، وهي مهارات لا يمكن للفتاة أن تحصل عليها بدون المشاركة في تلك الأنشطة. ومن أجل تنظيم العمل التطوعي، أصدر خادم الحرمين الشريفين مرسوم العمل التطوعي في المملكة، والذي يحدد واجبات وآليات الأنشطة التطوعية، والمميزات المعنوية التي يحصل عليها المتطوع، فمثلاً أشار إلى أحقية الموظف في الحصول على إجازة فترة تطوعه دون أن تخصم من راتبه، وكذلك أكد على أحقية المتطوع في الحصول على التعويض المناسب حال تعرضه لأذى أثناء قيامه بالمشاركة في البرامج التطوعية المختلفة. كل هذا يؤكد على اهتمام القيادة السعودية بترسيخ ثقافة العمل التطوعي في المملكة، وتأطير القوانين واللوائح المنظمة، وكذلك الاستفادة من طاقات الشباب والفتيات الكامنة التي تحتاج إلى من يحتضنها ويرعاها ويوجهها الوجهة الصحيحة، لرضا الله مع الاهتمام بإعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار. معوقات ومتطلبات وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها الفتيات والنساء بصفة عامة في الحقل التطوعي في المملكة، إلا أن هناك عددا من المعوقات التي تقف حائلاً أمام استكمال المسيرة التطوعية، أبرزها: غياب التشجيع والدعم من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص للأنشطة التطوعية، لا سيما أن الأخيرة تحتاج في أحيان كثيرة إلى وجود «برامج رعاية» توفر التمويل اللازم لإقامتها. ويطالب عدد من الخبراء بضرورة تبني إستراتيجية تطوعية شاملة في كافة أرجاء المملكة، تحدد المهام والمسئوليات والبرامج، حسب متطلبات كل منطقة والمشكلات التي تعاني منها، على أن يتم تقييمها بصورة مستمرة حتى تواكب المتغيرات المختلفة، وتضمن في الوقت نفسه عدم تشتت الجهود أو تركيز البرامج التطوعية على قضايا أو فئات دون أخرى، وتمنع كذلك التضارب بين الجهات والمؤسسات العاملة في المجال التطوعي. وبالإضافة إلى ذلك يمكن إجمال عدد من المعوقات التي تعترض طريق العمل التطوعي في المملكة بصفة عامة منها: 1- ضعف التنسيق بين المؤسسات القائمة على العمل التطوعي: وهو ما يؤدي إلى تكرار الأعمال التطوعية، لذا من الضروري أن تعقد تلك المؤسسات اجتماعات دورية فيما بينها؛ للوصول إلى رؤية حالية ومستقبلية حول البرامج والأنشطة التطوعية المطلوبة وتوزيع المهام فيما بينها. 2- عدم شيوع ثقافة العمل التطوعي في المجتمع بالصورة المطلوبة: وهذا بالأساس من واجبات الأسرة والمدرسة التي لا بد أن تحفز الأجيال الشبابية على الانخراط في العمل التطوعي، والتأكيد على أهميته وقيمته للفرد والمجتمع، ولا بد كذلك أن تتضمن المناهج الدراسية ما يرسخ هذه القيم في المجتمع. 3- ضعف التمويل: بعض الجهات العاملة في المجال التطوعي تعتمد في تمويل أنشطتها على التبرعات واشتراكات الأعضاء، وفي أحيان كثيرة لا تكون هذه الموارد كافية لإقامة الفاعليات التطوعية، مع ضعف الاهتمام الإعلامي بأنشطتها ومن ثم عدم قدرتها على استقطاب الفتيات والشباب للمشاركة في جهودها. إن المطلوب من جميع المؤسسات العامة والخاصة العاملة في المجال الاجتماعي أن توفر برامج تطوعية مناسبة لأوقات واهتمامات وميول الفتيات، وأن تجد الدعم اللازم لهذه الأنشطة، مع وضوح الأهداف والرؤية الخاصة بها، مع ضرورة تشجيع الأسرة والمدرسة للفتيات على الاشتراك في تلك البرامج، حتى تؤتي ثمارها المرجوة، وتحقق النفع والفائدة للفتاة والمجتمع ككل.