هل يمكن لآسيا التغلب على لعنة ارتفاع الدولار؟ هذا السؤال ليس مسألة نظرية على الإطلاق، خصوصا حين نرى الدور المركزي الذي لعبته العملة الأمريكية القوية في إثارة أزمة في المنطقة عام 1997، فضلا عن المشاكل المالية الخاصة بأمريكا اللاتينية قبل عقد من تلك الفترة. عندما ينخفض الدولار، تتدفق السيولة في الأسواق الناشئة، ما يؤدي إلى تعزير النمو والأصول. كلما ارتفع الدولار، فإنه يمكن أن يتصرف مثل مغناطيس مالي عملاق يجتذب الاستثمارات التي تشتد إليها الحاجة بعيدا عن بلدان العالم النامي. وحيث إن الدولار يشهد الآن ما يعتقد كثير من المراقبين أنه قد يكون الارتفاع الثالث «فائق الدورة» على مدى 30 عاما، لدى الأسواق الناشئة أسباب وجيهة تدفعها للشعور بالقلق. منذ الأزمة العالمية عام 2008، تصاعدت السندات واجبة السداد المقومة بالدولار للمقترضين من غير البنوك في الخارج إلى 9 تريليونات دولار من 6 تريليونات دولار وفقا لبنك التسويات الدولية. (هذا الرقم يعادل تقريبا الناتج الاقتصادي السنوي في الصين.) والشركات الصينية وحدها مدينة على الأقل بمبلغ 1.1 تريليون دولار. في الاقتصاديات الناشئة التي لديها عملات محلية متقلبة مثل الهندوماليزيا، إصدار السندات بالدولار يمكن أن يكون إستراتيجية ذكية وواقعية – إلى أن يتوقف عن أن يكون كذلك. مع ارتفاع الدولار بشكل حاد في جميع المجالات تقريبا منذ بداية عام 2014 – 23% مقابل اليورو و13% مقابل الين – وحيث إن من المتوقع أن يقوم الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة، سيكون لدى المقترضين وقت أصعب لتسديد ما يدينون به، ناهيك عن أخذ قروض جديدة. هذا يساعد في تفسير السبب في أن شركة «كايسا» للتطوير العقاري في شنزن تصدرت فجأة عناوين الصحف العالمية. قد تكون قريبا أول شركة صينية تتخلف عن السندات المقومة بالدولار - ويمكن أن تفجر تأثير الدومينو في أكبر اقتصاد في آسيا. لحسن الحظ، تبدو المنطقة في وضع أفضل من السابق لتحمل تقلبات العملة من عام 1997. يشير الاقتصادي جلين ماجواير من مجموعة نيوزيلندا وأستراليا للخدمات المصرفية في سنغافورة: «الناس يراقبون صعود الدولار بعصبية هذه المرة، ولكن هذه الدورة تختلف اختلافا جوهريا حين ننظر إليها من منظور هيكلي رئيسي». ويقول: «يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار الرحلة المذهلة التي قامت بها كثير من الاقتصادات الآسيوية ذات الدخل المنخفض، إلى أن تصبح اقتصادا ذا دخل متوسط، حتى لذوي الدخل المرتفع منذ عام 1997». يقدم ماجواير عدة أسباب للتفاؤل. أسعار صرف العملات الآسيوية عموما لم تعد مرتبطة بالدولار. أرصدة الحساب الجاري أقل إثارة للقلق، وقامت العديد من البلدان بتخزين احتياطيات العملات الضخمة. هناك عدم تطابق أقل في العملة بين الأصول والمطلوبات. القطاعات المصرفية تعتبر أقوى والبنوك المركزية هي أكثر شفافية بكثير مما كانت عليه في الماضي. ومع ذلك، إذا انزلقت الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم في حالة من الفوضى، فلن تكون آسيا في مأمن. حتى فترة قريبة هي عام 2013، عندما بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي لأول مرة يتحدث عن خفض برنامج شراء السندات، ووجدت كل من الهند وإندونيسيا عملتها تهوي بسرعة في سقوط حر. على وجه الخصوص، ربما يأتي على المنطقة يوم تتأسف فيه على المستوى الذي لا يزال مرتفعا نسبيا من السندات المقومة بالدولار لدى الشركات في القطاع غير المالي. كانت النسبة عند حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط في منتصف عام 2014، مقارنة مع ما يقرب من 11% في عام 1997. وهذا، كما يقول كالوم هندرسون، الرئيس العالمي لأبحاث الصرف الاجنبي في بنك ستاندرد تشارترد في سنغافورة، «يشكل ربما مصدرا جديدا من الضعف» مع بدء مجلس الاحتياطي الفدرالي في رفع أسعار الفائدة. في الأسابيع الأخيرة، قامت البنوك المركزية في الهند وتايلاند وكوريا الجنوبية بمفاجأة الأسواق بقرارها في تخفيض أسعار الفائدة. ولكن نافذة آسيا لمزيد من التخفيضات قد تغلق في الوقت الذي يفكر فيه صناع السياسة جيدا في عدد المقترضين المحليين الذين يمكنهم أن يواجهوا الإعسار إذا ما انخفضت العملات أكثر من ذلك بكثير. ينطبق هذا بصورة خاصة على الصين، حيث تمثل القروض المقومة بالدولار خطرا متصاعدا على الاستقرار. وكما كتب اقتصاديا بلومبيرج توم أورلك وفيلدينغ تشن في تقرير جديد، فإن «قوة الدولار هي ضعف للصين». واليوان الضعيف، كما يجادلان، «من شأنه أن يضيف إلى تكاليف السداد، إضافة إلى الضغوط المالية للشركات المدينة». السيد هندرسون من ستاندرد تشارترد يتشجع انطلاقا من حقيقة أن البنوك المركزية تشجع الشركات على خفض أو التحوط على ديونها المقومة بالدولار قبل أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي بعملية خفض برنامجه. ومع ذلك، حتى لو كانت الأساسيات الكامنة تعتبر أقوى الآن، فإن التدفق الذي لا مفر منه لرأس المال من أسواق الأسهم والسندات المحلية سيشكل تحديات خطيرة من حيث الإدارة. ينبغي على كل من البنوك المركزية وصناع السياسة الحكومية التصرف بسرعة واستباقية لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها. وهذا يعني وضع ما يسمى سياسات الاقتصاد الكلي الحصيفة، بما في ذلك القيود على رأس المال للدفاع ضد الجَيَشان. وينبغي على الحكومات أن تعد نفسها للأوقات الصعبة، وتضييق العجز في الحساب الجاري إلى أبعد مما فعلت وتوسيع الفائض أكثر من قبل. يجب عليهم إعداد حزم التحفيز المالي في حالات الطوارئ، ولكن أيضا الاستمرار في التركيز على الاستثمارات التي تزيد الإنتاجية والقدرة التنافسية بحيث تصبح اقتصاداتها على المدى البعيد أقل اعتمادا على الائتمان ورأس المال الأجنبي. لا أعتقد أن ذلك سيكون تكرارا لأزمة عام 1997 في آسيا. لكن المنطقة لديها 9 تريليونات سبب يدفعها لتكون مستعدة إذا بدأت الأمور تخرج عن مسارها الطبيعي.